Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 48-48)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإذْ زيّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم } السيئة ، ومن جملتها : خروجهم إلى حربك بأن وسوس لهم ، { وقال لا غالبَ لكم اليومَ من الناس وإني جارٌ لكم } قيل : قال لهم ذلك مقالة نفسانية ، بأن ألقي في رُوعهم ، وخيَّل إليهم أنهم لا يُغلبون ولا يطاقون ، لكثرة عَددهم وعُددهم ، وأوهمهم أن اتباعهم إياه في ذلك قربة مجيرة لهم من المكاره . { فلما تراءت الفئتان } أي : تلاقي الفريقان ، ورأى بعضهم بعضاً ، { نَكصَ على عقبيه } رجع القهقري ، أي : بطل كيده ، وعاد ما خيل لهم أنه مجير لهم سبب هلاكهم ، { وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله } ، أي : تبرأ منهم وخاف عليهم ، وأيس من حولهم ، لمّا رأى إمداد المسلمين بالملائكة . وقيل : إن هذه المقالة كانت حقيقة لسانِيَّة . رُوي أن قريشاً لما اجتمعت على المسير إلى بدر ، ذكرت ما بينهم وبين بني كنانة من العداوة ، فهموا بالرجوع عن المسير ، فمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني ، وقال : لا غالب لكم اليوم وإني جارٌ لكم ، وإني مجيركم من بني كنانة ، فلما رأى الملائكة تنزل نكص على عقبيه ، وكانت يده في يد الحارث بن هشام ، فقال له : إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحالة ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون ، ودفع في صدر الحارث ، فانطلق وانهزموا ، فلما بلغوا مكة ، قالوا : هزم النَّاسَ سُراقَةُ ، فبلغه ذلك ، فقال : والله ما شعرت بسيركم حتى بلغني هزيمتكم ! فلما أسلموا علموا أنه الشيطان . وعلى هذا ، يحتمل أن يكون معنى قوله : { إني أخافُ الله } أي : أخاف أن يصيبني مكروهاً من الملائكة ، أو يهلكني ، ويكون هذا الوقت هو الوقت الموعود ، إذ رأى فيه ما لم ير قبله . والأول : ما قاله الحسن ، واختاره ابن حجر . وقال الورتجبي : أي : إني أخاف عذاب الله ، وذلك بعد رؤية البأس ، ولا ينفع ذلك ، ولو كان متحققاً في خوفه ما عصى الله طرفة عين . هـ . وذكر ابن حجر عن البيهقي ، عن عليّ كرم الله وجهه ـ ، قال : هبت ريح شديدة ، فلم أر مثلها ، ثم هبت ريح شديدة ، وأظنه ذكر ثالثة ، فكانت الأولى جبريل ، والثانية : ميكائيل ، والثالثة : إسرافيل ، وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها أبو بكر ، وإسرافيل عن يساره ، وأنا فيها . وعن عليّ ايضاً : قيل ليَّ ولأبي بكر يوم بدر : مع أحدكما جبريل ، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر لصف ويشهد القتال . انتهى . وقوله تعالى : { والله شديدُ العقاب } ، يجوز أن يكون من كلام إبليس ، وأن يكون مستأنفاً . الإشارة : عادة الشيطان مع العوام أن يُغريهم على الطعن والإنكار على أولياء الله ، وإيذائهم لهم ، فإذا رأى غيرة الله على أوليائه نكص على عقبيه ، وقال : إني منكم بريء إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب . ثم ذكر مقالة المنافقين في شأن المسلمين ، حيث خرجوا لغزوة بدر ، فقال : { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } .