Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 52-54)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : كدأب : خبر عن مضمر ، أي : دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ، وهو عملهم وطريقتهم ، التي دأبوا فيها ، أي : داموا عليها ذلك مبتدأ ، وبأنَّ الله : خبر ، وقال سيبويه : خبر ، أي : الأمر ذلك ، والفاء سببية . يقول الحق جل جلاله : عادة هؤلاء الكفرة العاصين المعاصرين لك ، في استمرارهم على الكفر والمعاصي ، كعادة { آل فِرعون والذين } مضوا { مِنْ قبلهم } ، ثم فسر دأبهم فقال : { كفروا بآيات الله } الدالة على توحيده ، المنزلة على رسله ، { فأخذهم الله بذنوبهم } كما أخذ هؤلاء ، { إن الله قوي شديد العقاب } لا يغلبه في دفعه شيء . { ذلك } العذاب الذي حل بهم ، بسبب ذنوبهم وكفرهم لأن { الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم } فيبدلها بالنقمة ، { حتى يغيروا ما بأنفسهم } أي : حتى يبدلوا ما بأنفسهم ، من حال الشكر إلى حال الكفر ، أو من حال الطاعة إلى حال المعصية ، كتغيير قريش حالهم : من صلة الرحم ، والكف عن التعرض لإيذاء الرسول ومن تبعه ، بمعاداة الرسول ، والسعي في إراقة دم من تبعه ، والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها . إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة ، { وأنَّ الله سميعٌ } لما يقولون : { عليم } بما يفعلون . دأبهم في ذلك التغيير { كَدأْب آل فِرعون والذين من قبلهم كذّبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آلَ فرعون } لمّا بدلوا وغيَّروا ، ولم يشكروا ما بأيديهم من النعم ، { وكلِّ } من الفرق المكذبة { كانوا ظالمين } فأغرقنا آل فرعون ، وقتلنا صناديد قريش بظلمهم وما كنا ظالمين . الإشارة : إذا أنعم الله على قوم بنعم ظاهرة أو باطنة ، ثم لم يشكروا الله عليها ، بل قابلوها بالكفران ، وبارزوا المنعم بالذنوب والعصيان ، فاعلم أن الله تعالى أراد أن يسلبهم تلك النعم ، ويبدلها بأضدادها من النقم ، فمن شكر النعم فقد قيدها بعقالها ، ومن لم يشكرها فقد تعرض لزوالها . فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود ، فمن أعطي ولم يشكر ، سُلب منها ولم يشعر ، والشكر أَلا يُعْصَى الله بنعمه ، كما قال الجنيد رضي الله عنه . والله تعالى أعلم . ومن جملة كفران النعم ، نقض العهد ، كما أبان ذلك بقوله : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ } .