Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 55-59)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : فهم لا يؤمنون : جملة معطوفة على جملة الصلة ، والفاء للتنبيه على أن تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق المعطوف ، والذين عاهدت : بدل بعضٍ من الذين كفروا ، وفشرد : جواب إما ، والتشريد : تفريق على اضطراب . يقول الحق جل جلاله : { إنَّ شرَّ الدوابِّ عند الله } منزلة { الذين كفروا } ، تحقق كفرهم ، وسبق به القدر ، { فهم لا يؤمنون } أبداً لِمَا سبق لهم من الشقاء . نزلت في قوم مخصوصين ، وهم بنو قريظة ، { الذين عاهدتَّ منهم } أي : أخذت عَليهم العهد ألا يعاونوا عليك الكفار ، { ثم يَنقُصُونَ عهدَهم في كل مرةٍ } أي : يخونون عهدك المرة بعد المرة ، فأعانوا المشركين بالسلاح يوم أُحد ، وقالوا : نسينا ، ثم عاهدهم ، فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق ، وركب كعبُ بن الأشرف في ملأ منهم إلى مكة ، فحالفوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل مقاتلتهم سبا ذراريهم ، { وهم لا يتقون } شؤم الغدر وتبعته ، أو : لا يتقون الله في الغدر ونصرته للمؤمنين وتسليطه إياهم عليهم . قال تعالى لنبيه الصلاة والسلام : { فإما تَثقفنُهمْ } أي : مهما تصادفهم وتظفر بهم { في الحرب فشرِّدْ بهم } أي : فرِّق عنك من يُناصبك بسبب تنكيلهم وقتلهم ، أو نكِّل بهم { من خَلْفَهم } بأن تفعل بهم من النقمة ما يزجرُ غيرهم { لعلهم يذكّرون } أي : لعل من خلفهم يتعظون فينزجروا عن حربك . { وإما تَخَافَنَّ من قوم } معاهدين { خيانةً } أي : نقص عهد بأمارات تلوح لك ، { فانبِذْ إليهم } أي : فاطرح إليهم عهدهم { على سواءٍ } أي : على عدل وطريق قصد في العداوة ، ولا تناجزهم بالحرب قبل العلم بالنبذ ، فإنه يكون خيانة منك ، أو على سواء في العلم بنقض العهد ، فتستوي معهم في العلم بنقض العهد ، { إنَّ الله لا يُحب الخائنين } أي : لا يرضى فعلهم ، وهو تعليل للأمر بالنبذ والنهي عن مناجزة القتال المدلول عليه بالحال . { ولا تحسبن } ، يا محمد ، { الذين كفروا سَبقُوا } قدرتنا ، ونجوا من نكالنا { إِنهم لا يُعجزُون } أي : لا يفوتون في الدنيا والآخرة ، فلا يعجزون قدرتنا ، أو لا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم ، بل اللَّهُ محيط بهم أينما حلوا . والله تعالى أعلم . الإشارة : شرفُ الإنسان وكمالُه في خمسة أشياء : الإيمان بالله ، وبسائر ما يتوقف الإيمان عليه ، والوفاء بالعهود ، والوقوف مع الحدود ، والرضى بالموجود ، والصبر على المفقود . وقال القشيري في قوله تعالى : { فإما تثقفهم في الحرب … } الآية ، أي : إنْ صَادَفْتَ واحداً من هؤلاء الذين دأبُهم نقصُ العهد ، فاجعلهم عبرة لمن يأتي بعدهم ، لئلا يسلكوا طريقَهم ، فيستوجبوا عُقُوبتهُم . كذلك مَنْ فَسَخْ عقده مع الله بقلبه ، برجوعه إلى رُخَصِ التأويلات ، ونزول إلى السكون مع العادات ، يجعله الله نكالاً لمن بعده ، بحرمان ما كان خوَّلَه وتنغيصه عليه . ثم قال عند قوله : { وإما تخافن من قوم خيانة } ، يريد إذا تحقَّقْت خيانة قوم منهم ، فَصَرِّح بأن لا عهدَ بينك وبينهم ، فإذا حصلت الخيانة زال سَمتُ الأمانة ، وخيانةُ كلّ أحدٍ على ما يليق بحاله . هـ . ثم أمر بالاستعداد للحرب لمن نقض العهد ، فقال : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } .