Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 111-111)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : جملة يقاتلون : حال من المؤمنين بياناً للشراء ، أو استئنافاً لبيان ما لأجله الشراء ، وقيل : " يقاتلون " : بمعنى الأمر ، ووعداً : مصدراً لما دل عليه الشراء ، فإنه في معنى الوعد ، أي : وعدهم وعداً حقاً لا خلف فيه . يقول الحق جل جلاله : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } أي : عوضهم في بذل مُهجهم وأموالهم في سبيله الجنة ونعيمها ، ومن جملته : النظر إلى وجهه الكريم . قال بعضهم : فانظر … ما أكرمه سبحانه ، فإن أنفسنا هو خلقها ، وأموالنا هو رزقها ، ثم وهبها لنا ، ثم اشتراها منا بهذا الثمن الغالي ، فإنها لصفقة رابحة . هـ . ثم بيَّن وجه الشراء فقال : { يُقاتِلُون في سبيل الله } لإعلاء كلمة الله ، { فيَقتلون } الكفارَ ، { ويُقتلون } شهداء في سبيل الله . وقرأ الأخَوَانِ بتقديم المبني للمفعول لأن الواو لا ترتب ، وأن فعل البعض قد يسند إلى الكل ، أي : فيموت بعضهم ويجاهد الباقي . وعد ذلك لهم { وعداً عليه حقاً } لا خلف فيه ، مذكوراً ذلك الوعد { في التوراة والإنجيل والقرآن } أي : إن الله بيَّن في الكتابين أن الله اشترى من أمة محمد أنفسهم وأموالهم بالجنة ، كما بيَّنه في القرآن ، أو كل أمة أمرت بالجهاد ووعدهم هذا الوعد . { ومن أوفى بعهده من الله } ؟ هومبالغة في الإنجاز ، أي : لا أحد أوفى منه بالعهد ، { فاستبشروا ببيعكُم الذي بايعتم به } أي : فافرحوا به غاية الفرح ، فإنه أوجب لكم أعظم المطالب ، كما قال : { وذلك هو الفوزُ العظيم } . قال بعضهم : ناهيك من بيع ، البائع فيه رب العلا ، والثمن جنة المأوى ، والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم . الإشارة : قد اشترى الحق جل جلاله منا أنفسنا وأموالنا بالجنة ، فمن باع نفسه لله بأن خالف هواها وخرق عوائدها ، وسعى في طلب مولاها ، عوضه جنة المعارف ، معجلة ، وزاده جنة الزخارف ، مؤجلة . ومن باع ماله بأن أنفقه في مرضاة الله ، وبخل بنفسه ، عوضه جنة الزخارف ، مؤجلة . قال في الإحياء في باب الذكر وفضيلته ـ : وأنه يوجب الأنس والحب ، فإذا حصل الأنس بذكر الله انقطع عن غير الله ، وما سوى هو الذي يفارقه عند الموت ، فلا يبقى معه في القبر أهل ، ولا مال ، ولا ولد ، ولا ولاية ، ولا يبقى معه إلا ذكر الله ، فإن كان في أنس به تمتع به ، وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه ، إذ ضرورات الحاجات في الحياة تصد عن ذكر الله ، ولا يبقى بعد الموت عائق ، فكأنه خلّى بينه وبين محبوبه ، فعظمت غبطته وتخلص من السجن الذي كان ممنوعاً فيه ، عما به أنسُه . ثم قال : ولأجل شرف ذكر الله عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب هو الخاتمة ، ومعنى الخاتمة : وداع الدنيا كلها ، والقدوم على الله ، والقلب مستغرق بالله ، منقطع العلائق عن غيره ، والحاضرُ صَفّ القتال قد تجرد قلبه لله ، وقطع طعمه من حياته ، حباً لله وطمعاً في مرضاته ، وحالة الشهيد توافق معنى قولك : لا إله إلا الله ، فإنه لا مقصود له سوى الله . هـ . فما يجده أهل التملق من لذيذ الحلاوة في مناجاتهم ، وأهل الشهود في حال غيبتهم في محبوبهم ، ليس هو من نعيم الدنيا ، بل من نعيم الجنة ، قدَّمه الله لأوليائه ، وهو معنى جنة المعارف المعجلة عوضاً لمن باع نفسه لله . قال بعض العارفين : النفوس ثلاثة : نفس معيبة ، لا يقع عليها بيع ولا شراء ، وهي نفس الكافر ، ونفس تحررت لا يصح بيعها ، وهي نفس الأنبياء والمرسلين ، لأنها خُلقت مطهرة من البقايا ، ونفس يصح بيعها وشراؤها ، وهي نفس المؤمن ، فإذا باعها لله ، واشتراها الحق تعالى منه ، وقع عليها التحرير ، وذلك حين تحرر من رقّ الأكوان ، وتتخلص من بقايا الأثر . وقال بعض أهل التحقيق : اشترى الله تعالى أعز الأشياء بأجل الأشياء ، وإنما اشترى الأنفس دون القلوب لأن القلب حر لا يقع عليه البيع لأنه لله فلا يباع ولا يشتري ، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القلبُ بيت الرب " . أي : لأنه محل مناجاته ، ومعدن معرفته ، وخزانة سره ، فليس للشيطان عليه من سبيل . قال تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الإسراء : 65 ] . وأما النفس فإنها مملوكة تباع وتشتري . هـ . ثم بيَّن أوصاف البائعين ، فقال : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ } .