Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 113-114)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { ما كان } ينبغي { للنّبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الذين ماتوا على الشرك ، { ولو كانوا أولي قُرْبَى } أي : من قرابتهم ، { من بعد ما تبيّنَ لهم أنهم أصحابُ الجحيم } لموتهم على الشرك . رُوي أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي طالب ، لما حضرته الوفاة : " قُل : " لا إله إلا الله ، كلمة أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عند اللَّهِ " . فأبى ، فقال : " واللَّهِ لأستَغفِرَنَّ لَكَ مَا لَم أُنهَ عنك " فكان يستغفر له حتى نزلت الآية . وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه ، فنزلت ، وقيل : إن المسلمين أرادوا أن يستغفروا لآبائهم ، فنزلت ، وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم إذ لم يتحقق أنهم أصحاب الجحيم ، فإنه طلب توفيقهم للإيمان . ثم رفع إيهام النقض باستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر ، فقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه } ، وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم قال في شأن عمه : " لأ ستغفرن لك ، كما استغفر إبراهيم لأبيه " فنزلت : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه } . والموعدة التي وعدها إياه قوله : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [ الممتحنة : 4 ] . أي : لأطلبن المغفرة لك بالتوفيق للإيمان ، فإنه يجب ما قبله . والمعنى : لا حجة لكم في استغفار إبراهيم لأبيه ، فإن ذلك لم يكن إلا لوعد تقدم بقوله : { لأَستَغْفِرَنَّ لَكَ … } الخ . { فلما تبيّنَ له أنه عدوٌ لله } بأن مات على الكفر ، أو أوحى إليه بأنه لن يؤمن ، { تبرأ منه } بأن قطع استغفاره له ، { وإن إبراهيم لأواهٌ } أي : لكثير التأوه ، وهو كناية عن فرط ترحمه ، أو كثير الدعاء ، أو مؤمن ، أو فقيه ، أو كثير الذكر لله ، أو كثير التأوه من خوف الله ، { حليمٌ } صبور على الأذى ، والجملة : لبيان ما حمله على الاستغفار . الإشارة : الشفاعة لا تكون فيمن تحقق غضب الله عليه ، فإن ذلك من سوء الأدب ، كالدعاء بالمحال ، وأما من لم يتحقق غضبه عليه فالشفاعة فيه مرغب فيها . قال عليه الصلاة والسلام : " اشفَعُوا تُؤجَروا " والاستغفار شفاعة . وقد ورد في الخبر : " مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمساً وعِشرين مرة كتب من الأبدال " . والشفقة مطلوبة ، ما لم يظهر مراد الله من خلقه ، فإن برز من عنصر القدرة شيء من القهريات ، فالتسليم لمراده تعالى أحسن ، فالله ارحم بعباده منك أيها الشفيق ، وسيأتي عند قوله تعالى : { يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ } [ هود : 76 ] وبالله التوفيق . ثم عَذَر نبيه في اسْتغفاره لعمه قبل النهي ، أو من استغفر من المسلمين لأسلافهم المشركين ، فقال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } .