Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 43-45)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : لنبيه عليه الصلاة والسلام ملاطفاً له في الكلام : { عفا اللَّه عنك لم أذنتَ لهم } ، لِمَ بادرت إلى الإذن إلى المنافقين في التخلف ، واستكفيت بالإذن العام في قولنا : { فَأذَن لِّمن شئتَ مَنهُم } [ النور : 62 ] ، فإن الخواص من المقربين لا يكتفون بالإذن العام ، بل يتوقفون إلى الإذن الخاص . ولذلك عُوتِبَ يونس عليه السلام . والمعنى : لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتذروا لك بأكاذيب ؟ وهلا توقفت { حتى يتبين لك الذين صدقوا } في الاعتذار ، { وتعلم الكاذبين } فيه . قال ابن عطية : قوله : { الذين صدقوا } يريد : في استئذانك ، وأَنك لو لم تأذن لهم لخرجوا معك ، وقوله : { وتعلم الكاذبين } يريد : أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدِّك ، وهم كَذَبة ، قد عزموا على العصيان ، أذِنتَ أو لم تأذن . هـ . قال ابن جزي : كانوا قد قالوا : استأذنوه في القعود ، فإن إذن لنا قعدنا ، وإن لم يأذن قعدنا ، وإنما كان يظهر الصادق من الكاذب لو لم يأذن لهم ، فحينئذٍ كان يقعد العاصي والمنافق ، ويسافر المطيع الصادق . هـ . { لا يستأذنُك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يُجاهدوا بالله واليوم الآخر أن يُجاهدوا بأموالهم وأنفسهم } أي : ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، بل الخُلَّص منهم يُبادرون إليه ، ولا يوقفُونه على الإذن فيه ، فضلاً عن أن يستأذنوا في التخلف عنه ، { والله عليم بالمتقين } فيثيبهم ويقربهم ، وهي شهادة لهم بالتقوى وَعِدَةً لهم بثوابه . { إنما يستأذنكَ } في التخلف { الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر } ، وخصص ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر إشعاراً بأن الباعث على الجهاد والوازع عنه : الإيمان وعدم الإيمان بهما ، { وارتابت قلوبهم } أي : شكَّت في الإيمان والبعث ، { فهم في ريبهم يترددُون } : يتحيرون . ونزلت الآية في عبد الله بن أُبيّ والجَدُّ بن قيْس ، وأمثالهما من المنافقين . الإشارة : لا ينبغي للعارفين بالله الداعين إلى الله ، أن يأذنوا لمن استأذنهم في التخلف عن الجهاد الأكبر ، ويرخصون له في البقاء مع النفس والهوى ، وجمع حطام الدنيا ، شفقةُ ورحمةً لأن الشفقة في هذا المعنى لا تليق بأهل التربية ، فقد قالوا : الشفقة والرطوبة لا تليق بشيوخ التربية ، بل لا يليق بهم إلا الأمر بما تموت به النفوس ، وتحيا به الأرواح ، وإن كان فيه حتفُهم . وقد قالوا أيضاً : إذا كان الشيخ يحرش على المريد ، ويقدمه للمهالك في نفسه أو ماله أو جاهه ، فهو دليل على أنه يحبه وينصحه ، وإذا كان يرخص له في أمورنفسه ، ويأمره بالمقام معها ، فهو غير ناصح له . وأما الإذن في التجريد وعدمه : فإن رآه أهلاً له لنفوذ عزمه ، فيجب عليه أن يأمره به ، وإن رآه لا يليق به لعوارض قامت به منعه منه ، حتى ينظر ما يفعل الله به ، وسأل رجلٌ القطبَ ابنَ مشيش ، فقال له : يا سيدي استأذنك في مجاهدة نفسي ؟ فقال له : { لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون } . ثم ذكر سبب تخلفهم ، وهو عدم الإرادة ، فقال : { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ } .