Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 46-48)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { ما زادوكم إلا خبالاً } قال بعضهم : هو استثناء منقطع ، أي : ما زادوكم شيئاً ، لكن خبالاً يُحدِثُونه في عسكركم بخروجهم . قال ذلك : لئلا يلزم أن الخبال واقع في عسكر المسلمين ، لكن خروجهم يزيد فيه . وفيه نظر لأن الاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً ، ويمكن هنا أن يكون متصلاً لأن غزوة تبوك خرج فيها كثير من المنافقين ، فحصل الخبال ، فلو خرج هؤلاء المستأذنون في التخلف ، القاعدون ، لزاد الخبالُ بهم . وقوله : ولأوضعوا أي : أسرعوا ، والإيضاع : الإسراع ، وخلالكم : ظرف ، أي : لأسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة ، وجملة : يبغونكم : حال من فاعل " أوضعوا " . يقول الحق جل جلاله : { ولو أرادوا } أراد المنافقون { الخروجَ } إلى الغزو معكم ، وكانت لهم نية في ذلك { لأعدُّوا له عُدَّةً } أي : لاستعدوا له أهبتَهُ قبل أوانه . فما فعلوا ، { ولكن } تثبطوا لأنه تعالى كره { انبعاثهم } ، أي : نهوضهم للخروج ، { فثبَّطهم } أي : حبسهم وكسر عزمهم ، كسلاً وجبناً ، { وقيلَ } لهم : { اقعدوا مع القاعدين } من النساء والصبيان وذوي الأعذار ، وهو ذم لهم وتوبيخ . والقائل في الحقيقة هو الله تعالى ، وهو عبارة عن قضائه عليهم بالقعود ، وبناه للمجهول تعليماً للأدب . قال البيضاوي : هو تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم ، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو إذن الرسول لهم . هـ . { لو خرجوا فيكم } ما زادكم خروجهم شيئاً { إلا خبالاً } فساداً وشراً . والاستثناء من أعم الأحوال ، فلا يلزم أن يكون الخبال موجوداً ، وزاد بخروجهم ، أو إذا وقع خبال بحضور بعضهم معكم ما زادكم هؤلاء القاعدون بخروجهم إلا خبالاً زائداً على ما وقع . { ولأوْضَعُوا } أي : لأسرعوا { خِلالَكُم } أي : فيما بينكم ، فيسرعون في المشي بالنميمة والتخليط والهزيمة والتخذيل ، { يبغونَكُم الفتنة } أي : حال كونهم طالبين لكم الفتنة ، بإيقاع الخلل بينكم ، قلوبكم ورأيُكم ، فيذهب ريح نصركم ، { وفيكم } قوم { سماعُون لهم } فيقبلون قولهم ، إما بحسن الظن بهم ، أو لنفاق بهم ، فيقع الخلل بسبب قبول قولهم ، أو فيكم سماعون لأخباركم فينقلونه إلى غيركم ، { والله عليم بالظالمين } فيعلم ضمائرهم ، وما ينشأ عنهم ، وسيجازيهم على فعلهم . { لقد ابْتَغَوُا الفتنة } أي : تشتيت أمرك وتفْريق أصحابك { من قبلُ } أي : من قبل هذا الوقت ، كرجوعهم عنك يوم أُحد ، ليوقعوا الفشل في الناس ، { وقلَّبوا لك الأمور } أي : دبروها من كل وجه ، فدبروا الحيل ، ودوروا الآراء في إبطال امرك ، فأبطل الله سعيهم ، { حتى جاء الحقُّ وظهر أمرُ الله } أي : علا دينه ، { وهم كارهون } أي : على رغم أنفهم ، والآيتان تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على تخلفهم ، وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له ، وهتك أستارهم ، وكشف أسرارهم ، وإزاحة اعتذارهم . انظر البيضاوي . الإشارة : الناس على ثلاثة أقسام : قسم أقامهم الحق تعالى لخدمة أنفسهم وحظوظهم عدلاً . وقسم أقامهم الحق تعالى لخدمة معبودهم فضلاً . وقسم اختصهم بالتوجه إلى محبوبهم رحمة وفضلاً . فالأوّلون : أثقلهم بكثرة الشواغل والعلائق ، ولو أرادوا الخروج منها لأعدوا له عدة بالتخفيف والزهد ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ، وقيل : اقعدوا مع القاعدين ، أقامهم لإصلاح عالم الحكمة ، وأما أهل الخدمة : فرآهم لم يصلحوا لصريح معرفته ، فشغلهم بخدمته ، ولو أرادوا الخروج من سجن الخدمة إلى فضاء المعرفة لأعدوا له عدة بصحبة أهل المعرفة الكاملة . وأما أهل التوجه إلى محبته وصريح معرفته فلم يشغلهم بشيء ، ولم يتركهم مع شيء ، بل اختصهم بمحبته ، وقام لهم بوجود قسمته ، { يَختَصُ بِرحمَتِهِ مَن يَشَاءُ واللَّهُ ذُو الفَضل العَظيم } [ آل عمران : 74 ] . وكل قسم لو دخل مع من فوقه على ما هو عليه ، لأفسده ، وما زاده إلا خبالاً وشراً . والله تعالى أعلم . ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة تبوك ، قال له الجَدُّ بنُ قَيْس من كبار المنافقين ائْذَنْ لي في القعود ، ولا تفتني برؤية بنات بني الأصفر ، فإني لا أصبر على النساء ، فأنزل الله في شأنه : { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } .