Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 51-52)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { قل } لهم يا محمد : { لن يصيبنا } من حسنة أو مصيبة ، { إلا ما كتبَ اللهُ لنا } في اللوح الحفوظ ، لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم ، { هو مولانا } متولي أمرنا وناصرنا ، { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي : وإليه فليفوض المؤمنون أمورهم رضاَ بتدبيره لأن مقتضى الإيمان ألا يتوكل إلا على الله إذ لا فاعل سواه ، { قل } لهم : { هل تربّصُون } أي : تنتظرون { بنا إحدى الحُسنيين } أي : إلا إحدى العاقبتين اللتين كل منهما حسنى : إما النصر وإما الشهادة ، { ونحنُ نتربصُ بكم } أيضاً إحدى العاقبتين السُوأتين : إما { أن يصيبَكم اللَّهُ بعذابٍ من عنده } بقارعة من السماء ، { أو بأيدينا } أي : أو بعذاب بأيدينا ، وهو القتل على الكفر ، { فتربصُوا } ما هو عاقبتنا ، { إنا معكم مُتَربِّصون } ما هو عاقبتكم . الإشارة : ثلاثة أمور توجب للعبد الراحة من التعب ، والسكون إلى رب الأرباب ، وتذهب عنه حرارة التدبير والاختبار ، وظلمة الأكدار والأغيار : أحدها : تحقيق العلم بسبقية القضاء والقدر ، حتى يتحقق بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه ، قال تعالى : { قل لن يصينا إلا ما كتب الله لنا } ، { وَإن يمْسسْك اللَّهُ بضُرِّ فَلا كَاشِفَ له إلاَّ هُوَ } ، وليتأمل قول الشاعر : @ مَا لا َيُقَدِّرُ لا يَكُون بِحيلَةٍ أَبَداً ، وَمَا هُو كَائِنٌ سَيَكُونُ سَيَكُونُ مَا هُوَ كَائِنٌ في وَقْتِهِ وأخُو الجَهالَةِ مُتْعَبٌ مَخْزُون @@ وقد ورد عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال : سبع آيات : من قرأها أو حملها معه لو انطبقت السماء على الأرض لجعل الله له فرجاً ومخرجاً من أمره ، فذكر هذه الآية : { قل لن يصيبنا } ، وآية في سورة يونس : { وَإِن يَمسَسْك اللَّهُ بِضُرٍ … } [ يونس : 107 ] الآية ، وآيتان في سورة هود : { وَما مِن دآبَّةٍ … } [ هود : 6 ] ، الآية ، { إنّي تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ رَبَي وَرَبّكُم … } [ هود : 56 ] ، الآية ، وقوله تعالى : { وكأَيَّن مّنِ دَآبَّةٍ لاَّ تَحمِلُ رِزقُها اللَّهُ يرزُقُها وَإِيَّاكمُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } [ العنكبوت : 60 ] ، { مَّا يَفتَحِ اللَّهُ للِنَّاسِ مِن رَّحمَةٍ فَلاَ مُمسكَ لَهَا وَمَا يَمسِك فَلاَ مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيمُ } [ فاطر : 2 ] ، و { ولَئن سَأَلتَهُم } … في الزمر إلى قوله { عَلَيهِ يَتَوكَّلُ المُتَوَكِلُون } [ الزمر : 38 ] ، ونظمها بعضهم فقال : @ عليك بقل وإن ، وما ، إني ، في هود وكأين ، مَا يفتحْ ، ولئن مكملا @@ وإنما أشار رضي الله عنه إلى معنى الآيات لا إلى لفظها لأنها كلها تدل على النظر لسابق القدر ، والتوكل على الواحد القهار . الأمر الثاني : تحقق العبد برأفته تعالى ورحمته ، وأنه لا يفعل به إلا ما هو في غاية الكمال في حقه ، إن كان جمالاً فيقتضي منه الشكر ، وإن كان جلالاً فيقتضي منه الصبر ، وفيه غاية التقريب والتطهير وطي المسافة بينك وبين الحبيب . وفي الحكم : " خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجودَ فاقتك ، وتُرَدُ فيه إلى وجود ذلتك ، إن أردت بسط المواهب عليك ، فصحح الفقر والفاقة لديك ، الفاقة أعياد المريدين " . إلى غير ذلك من كلامه في هذا المعنى . الأمر الثالث : تحققه بخالص التوحيد فإذا علم أن الفاعل هو الله ولا فاعل سواه رضي بفعل حبيبه ، كيفما كان ، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه : @ أَحِبَّاي أَنْتُمْ أَحسَنَ الدَّهر أم أسا فكونوا كما شِئتُمْ أَنا ذلك الخِلّ @@ وكما قال صاحب العينية : @ تَلَذُّ لِيَ الآلام إذْ كُنْتَ مُسقِمي وإن تَخْتَبِرني فَهْي عِنْدي صَنَائِعُ تَحَكَّم بِمَا تَهْواهُ فِيّّ فإنَّني فَقيرٌ لسُلطان المَحَبَّةِ طَائِعُ @@ فهذه الأمور الثلاثة ، إذا تفكر فيها العبد دام حبوره وسروره ، وسهلت عليه شؤونه وأموره . وقوله تعالى : { قل هل تربصون بنا … } الآية ، مثله يقول أهل النسبة لأهل الإنكار : هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ، إما حسن الختام بالموت على غاية الإسلام ، يموت المرء على ما عاش عليه ، وإما الظفر بمعرفة الملك العلام على غاية الكمال والتمام ، ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعقوبة من عنده بسبب إذايتكم ، أو بدعوة من عندنا إذا أَذِنَ لنا . وبالله التوفيق . ثم ذكر سبب إبطال عملهم وصدقاتهم ، فقال : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } .