Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

خاطب الله تعالى بهذه الاية جميع الخلق وأخبرهم بأن الله الذي يملك تدبيركم وتصريفكم بين أمره ونهيه ويجب عليكم عبادته { الله الذي خلق السماوات والأرض } فاخترعهما وأنشأهما على ما فيهما من عجائب الصنعة ومتقن الفعل . وإطلاق الربّ لا يقال إلا فيه تعالى ، فاما غيره فانه يقيد له ، فيقال : رب الدار ، ورب الضيعة بمعنى أنه مالكها . وكذلك معنى قوله { رب العرش } والربوبية ملك التدبير الذي يستحق به العبادة . وقيل في الوجه { الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } بلا زيادة ولا نقصان مع قدرته على إنشائهما دفعة واحدة قولان : أحدهما - أن في اظهارهما كذلك مصلحة للملائكة وعبرة لهم . والثاني - لما فيه من الاعتبار إذا أخبر عنه بتصرف الحال كما صرّف الله الانسان من حال إلى حال ، لأن ذلك أبعد من توهم الاتفاق فيه . وقوله { ثم استوى على العرش } معناه استولى عليه بانشاء التدبير من جهته كما يستوي الملك على سرير ملكه بالاستيلاء على تدبيره ، قال الشاعر : @ ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق @@ يعني بشر بن مروان . ودخلت { ثم } لأن التدبير من جهة العرش بعد استوائه . وقوله { يدبر الأمر } فالتدبير تنزيل الامور في مراتبها على إحكام عواقبها ، وهو مأخوذ من الدبور ، فتجري على أحكام الدابر في الباري . وقوله { وما من شفيع إلا من بعد إذنه } فالشفيع هو السائل في غيره لاسقاط الضرر عنه . وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل اليه كان شفيعاً . والذي اقتضى ذكره - ها هنا - صفات التعظيم مع اليأس من الاتكال في دفع الحق على الشفيع . والمعنى - ها هنا - ان تدبيره للأشياء وصنعته لها ليس يكون منه بشفاعة شفيع ولا بتدبير مدبر لها سواه ، وأنه لا يجسر أحد أن يشفع اليه إلا بعد ان يأذن له فيه ، من حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم . وقوله { ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون } معناه إنّ الموصوف بهذه الصفات هو ربكم وإلهكم فاعبدوه وحده ، لأنه لا إله لكم سواه ، ولا يستحق هذه الصفات غيره . وحثهم على التذكر والتفكر في ذلك وعلى تعرّف صحة ما أخبرهم به وقيل : ان العرش المذكور - ها هنا - هو السماوات والأرض ، لأنهن من بنائه . والعرش البناء . ومنه قوله { يعرشون } أي يبنون . وأما العرش المعظم الذي تعبد الله الملائكة بالحفوف به والاعظام له وعناه بقوله { الذين يحملون العرش ومن حوله } فهو غير هذا . وانما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر ، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون الاصنام شفعاؤهم عند الله . وذكر بعدها { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } واذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون شافعة ؟ ! مع أنه لا يشفع عنده الا من ارتضاه الله . واختار البلخي أن يكون خلق السموات والأرض في ستة أيام إنما كان لان خلقه لهما دفعة واحدة لم يكن ممكناً كما لا يمكن الجمع بين الضدين ، ولا يمكن الحركة إلا في المتحرك . وهذا الذي ذكره غير صحيح ، لأن خلق السموات والأرض خلق الجواهر واختراعها ، والجواهر لا تختص بوقت دون وقت ، فلا حال إلا ويصح اختراعها فيه ما لم يكن فيما لم يزل . وانما يصح ما ذكره في الاعراض التي لا يصح عليها البقاء او ما يستحيل جمعه للتضاد ، فأما غيره فلا يصح ذلك فيه .