Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 100-100)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اخبر الله تعالى عن يوسف انه حين حضر عنده أبواه وأخوته ، ورفع أبويه على العرش ، والرفع النقل الى جهة العلو . ومثله الاعلاء والاصعاد ، وضده الوضع ، والعرش السرير الرفيع وأصله الرفع من قوله { خاوية على عروشها } اي على ما ارتفع من أبنيتها ، وعرّش الكرم إذا رفعه ، وعمل عريشاً اذا عمل مجلساً رفيعاً . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتاده : العرش السرير . وقوله { وخرّوا له سجداً } معناه انحطوا على وجوههم والخرّ الانحطاط على الوجه ، ومنه { خرّ من السماء فتخطفه الطير } والسجود في الشرع خضوع بوضع الوجه على الارض وأصله الذل ، كما قال الشاعر : @ ترى الأُكم فيها سجداً للحوافر @@ وقيل في وجه سجودهم قولان : قال قوم : إن الهاء في قوله { له } راجعة الى الله ، فكأنه قال فخروا لله سجداً شكراً على ما أنعم به عليهم من الاجتماع . الثاني انهم سجدوا الى جهة يوسف على وجه القربة الى الله ، كما يسجد الى الكعبة على وجه القربة الى الله . وقيل انه كانت تحية الملوك السجود ، قال اعشى بني ثعلبة : @ فلما اتانا بعيد الكرى سجدنا له ورفعنا العمارا @@ وقوله { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } حكاية ما قال يوسف لأبيه بأن هذا تفسير رؤياي من قبل وما تؤول اليه ، وهو ما ذكره في أول السورة { إني رأيت أحد عشر كوكباً } يعني أخوته { والشمس والقمر } يعني أبويه سجدوا له ، كما رآه في المنام . والرؤيا تصور ما يتوهم انه يرى لغمور النوم ، ومتى قيل إذا كانت رؤيا الانبياء لا تكون الا صادقة ، فهلا تسلى يعقوب بأن تأويل الرؤيا سيكون ؟ قلنا عنه جوابان : احدهما - انه قيل : انه رآها وهو صبيّ فلذلك لم يثق بها . والآخر - ان طول الغيبة مع شدة المحنة يوجب الحزن كما يوجبه مع الثقة بالالتقاء في الآخرة . { وقد أحسن بي اذ أخرجني من السجن } بأن لطف وسهل اليَّ الخروج منه { وجاء بكم من البدو } اي اتي بكم من أرض فلسطين ، لأن مسكن يعقوب وولده فيما ذكر كان هناك . والبدو : البرية العظيمة مأخوذ من بدا يبدوا بدوّاً . ويقال : بدو ، وحضر . وقوله { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } والنزغ التحريش بين الاثنين ، وهو مس بسوء يغضب ، ومنه قوله { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } وقوله { إن ربي لطيف لما يشاء } معنا لطيف التدبير ، واللطف ما يدعو إلى فعل الواجب ويصرف عن القبيح . وقال الحسن : كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانين سنة . وقال سلمان ، وعبد الله بن سداد : كانت أربعين سنة . وقال ابن اسحاق : ثماني عشرة سنة . وقوله { إنه هو العليم الحكيم } معناه إنه تعالى عالم بأحوال الخلق ، وما يصلحهم ومايفسدهم " حكيم " في افعاله لا يضع الشيء الا في موضعه . وقال بعضهم : غاب يوسف عن أبيه وله سبع عشرة سنة ، وبقي بعد الاجتماع معهم في الملك ثلاثاً وعشرين سنة ، ومات ، وله مئة وعشرون سنة .