Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وأهل البصرة وحفص { وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان } بالرفع فيهن . الباقون بالخفض . وروى ابو شعيب القواس عن حفص ضم الصاد من صنوان في الموضعين . الباقون بكسرها . وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب { يسقى } بالياء . الباقون بالتاء . وقرأ اهل الكوفة الا عاصما يفضل بالياء . الباقون بالنون . قال ابو علي النحوي : من قرأ { وزرع } مرفوعاً جعله محمولاً على قوله { في الأرض } ويكون تقديره وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من اعناب وفي الارض زرع ونخيل صنوان ، فالجنة على هذا تقع على الارض التي فيها النخيل . دون غيرها . ويقوي ذلك قول زهير : @ كأن عينيّ غربي مقتّلة من النواضح تسقي جنة سحقا @@ السحق جمع سحوق يوصف بها النخيل اذا بسقت فكأنه سمى الارض ذات النخل جنة ، ولم يذكر ان فيها غيرها ؛ فكما ان الجنة تكون من النخيل من غير ان يكون منها شيء آخر ، كذلك تكون من الكروم ، وان لم يكن فيها غيرها . فاما من قرأ بالخفض فانه حمل الزرع والنخيل على الاعناب ، كأنه قال جنات من أعناب ومن زرع ، ومن نخيل . وقد تسمى الارض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع جنة ، قال الله تعالى { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً } ويقوي ذلك قول الشاعر : @ أقبل سيل جاء من أمر الله يجرد جرد الجنة المغلة @@ فقوله ( المغلة ) في وصف الجنة يدل على ان الجنة يكون فيها الزرع ، لان الغلة لا يقال إلا فيما يكال ويوزن ، فلذلك قال الفقهاء : اذا قال : أوصيت له بغلة هذه القرية انه يكون على ما فيها ، من الحال من الثمرة وغيرها وقت التلفظ بالوصية دون ما يحدث بعد . و ( الصنوان ) فيما ذهب اليه ابو عبيدة صفة النخل قال : والمعنى ان يكون الاصل واحداً ثم يتشعب من الرؤس فيصير نخلاً ويحملن . وقال وقوله { يسقى بماء واحد } لانها تشرب من اصل واحد { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } وهو الثمرة ، واجاز غيره ان يكون ( الصنوان ) من صفة الجنات : قال ابو علي فكأنه في المعنى يراد به ما في الجنات . وان جرى على لفظ الجنات . وعلى هذا يجوز ان ترفع وان جررت النخل غير أنه لم يقرأ به . ومن ضم الصاد من صنوان جعله مثل ذئب وذؤبان ، وربما يعاقب فِعلان وفُعلان على بناء واحد نحو خشن وخشان . واظن سيبويه حكى الضم في صنوان والكسر اكثر . ومن قرأ { تسقى } بالتاء اراد تسقى هذه الاشياء { بماء واحد } ويقوى ذلك قوله { ونفضل بعضها على بعض } فحمله على التأنيث . ومن قرأ بالياء فعلى تقدير ما ذكرناه . ومن قرأ { يفضل } بالياء . رده الى الله ، وتقديره ويفضل الله بعضها على بعض ومن قرأ بالنون ، فعلى الاخبار عن الله عز وجل أنه قال { ونفضل } نحن { بعضها على بعض } . اخبر الله تعالى على وجه التنبيه لعباده على الاستدلال بآياته بان قال في الارض التي خلقتها قطع متجاورات . قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : معناه سبخة وغير سبخة . وقيل عامرة وغير عامرة . والمتجاورة المتقاربة بعضها من بعض . وقوله { وجنات من أعناب } فالجنة البستان الذي يجنه الشجر وهي منفصلة من الروضة والزهرة { من أعناب } جمع عنب وهو ثمر الكرم يقع على انواع كثيرة ، والزرع القاء الحب للنبات في الارض ، والغرس جعل الاصل من الشجر الثابت في الارض ، والصنوان المتلاصق وهي الفسيلة تكون في اصل النخلة . ويقال : هو ابن أخيه صنو أبيه اي لصنو ابيه في ولادته ، ويجوز في جمع صنو اصناء كعدل واعدال . ويقال : صنو بضم الصاد وإذا كثرت ، فهو الصني والصنى ، وقال البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة : الصنوان النخلات التي اصلها واحد . وقال الحسن : الصنوان النخلتان اصلهما واحد { يسقى بماء واحد } معناه ان ما ذكرناه يسقى بماء واحد { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } بان يكون بعضه حلواً وبعضه حامضاً وبعضه مراً في الاكل . والاكل الطعام الذي يصلح للاكل ، فدل بذلك على بطلان قول من يقول بالطبع ، لانه لو كان قولهم صحيحاً لما اختلفت طعوم هذه الاشياء مع ان التربة واحد والماء واحد ، وجميع احوالها المعقولة متساوية ، فلما تفاضلت مع ذلك دل على ان المدبر لها عالم حكيم ففعله بحسب المصلحة { إن في ذلك لأيات لقوم يعقلون } اخبار منه تعالى ان فيما ذكرناه دلالات لقوم يعقلونها ويتدبرونها لان من لا عقل له لا ينتفع بالاستدلال بها ، وانما ينتفع بذلك ذوو الألباب والعقول .