Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 17-18)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يتجرعه } معناه يشرب ذلك الصديد جرعة جرعة ، يقال : تجرّع تجرعاً ، وجرعه يجرعه جرعاً ، والتجرع تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار . وقوله { ولا يكاد يسيغه } أي لا يقاربه ، وانما يضطر اليه . قال الفراء : { لا يكاد } يستعمل فيما يقع وفيما لا يقع ، فيما يقع هو هذا ، وما لم يقع مثل قوله { لم يكد يراها } لان المعنى لم يرها . والاساغة إجراء الشراب في الحلق على تقبل النفس ، وهذا يضطر اليه ، فلذلك قال { ولا يكاد يسيغه } والمعنى فلا يقارب ان يشربه تكرهاً ، وهو يشربه ، تقول : ساغ يسوغ الشيء وأسغته أنا . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " ما يتجرّعه يقرب اليه فيتكرّهه ، فاذا أدني منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه , فاذا شربه قطع امعاءه حتى يخرج من دبره " كما قال { وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم } وقال { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب } وقوله { ويأتيه الموت من كل مكان } قيل في معناه قولان : احدهما - قال ابن عباس والجبائي : من كل جهة ، من عن يمينه وشماله ومن فوقه وتحته ومن قدامه وخلفه . وقال ابراهيم التيمي وابن جريج : معناه { من كل مكان } من جسده حتى من أطراف شعره { وما هو بميت } اي انه مع إِتيان اسباب الموت والشدائد التي يكون معها الموت { من كل جهة } من شدة الأهوال ، وأنواع العذاب ، وليس هو بميت { ومن ورائه عذاب غليظ } وقيل في معناه قولان : احدهما - من أمامه . والثاني - ومن بعد عذابه هذا { عذاب غليظ } . وقوله { مثل الذين كفروا بربهم } اي فيما يتلى عليكم { مثل الذين كفروا بربهم } ، فيكون رفعاً بالابتداء ويجوز ان يكون ( مثل ) مقحماً ويبتدىء الذين كفروا . وقوله { أعمالهم } رفع على البدل وهو بدل الاشتمال عليه في المعنى ، لان المثل للاعمال ، وقد أضيف الى الذين كفروا ، ومثله { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } والمعنى ترى وجوههم مسودة . قال الفراء : لانهم يجدون المعنى في آخر الكلمة ، فلا يبالون ما وقع على الاسم المبتدأ ، ومثله قوله { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم } فاعيدت اللام في البيوت ، لانها التي يراد بالسقف . وقال المبرد : { أعمالهم } رفع بالابتداء وخبره { كرماد } ، والرماد الجسم المنسحق بالاحراق سحق الغبار . ويمكن ان يجعل ( مثل ) صفة بغير نار في مقدور الله . وقوله { اشتدت به الريح في يوم عاصف } فالاشتداد الاسراع بالحركة على عظم القوة ، يقال : اشتد به الوجع من هذا ، لانه أسرع اليه على قوة ألم والعصف شدة الريح ، { يوم عاصف } أي شديد الريح ، وجعل العصف صفة اليوم ، لانه يقع فيه ، كما يقال : ليل نائم ، ويوم ماطر ، أي يقع فيه النوم والمطر ، ويجوز ان يكون المراد عاصف ريحه ، وحذف الريح للدلالة عليه ، ومثله حجر ضبّ خرب اي خرب حجره ، ويقال : عصفت الرياح إِذا اشتدت وعصفت تعصف عصوفاً . شبه الله تعالى أعمال الكفار في انه لا محصول لها ؛ ولا انتفاع بها يوم القيامة ، بالرماد الذي يشتد فيه الريح العاصف ، فإِنه لا بقاء لذلك الرماد ، ولا لبث فكذلك أعمال الكافر لا يقدر منها على شيء ، كما قال في موضع آخر { وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } وقوله { ذلك هو الضلال البعيد } اي من وصفناه فهو الذي ضل عن الحق والخير ضلالاً بعيداً .