Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 31-33)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير " خطاء " بكسر الخاء وبألف بعد الطاء ممدوداً . وقرأ ابو جعفر وابن ذكوان - بفتح الخاء والطاء - من غير ألف بعدها وبغير مد . الباقون بكسر الخاء من غير مد ، إِلا ان الداجوني عن هشام روى وجهين : أحدهما - مثل أبي عمرو ، والآخر - مثل أبي جعفر . وقرأ أهل الكوفة إِلا عاصماً { فلا تسرف } بالتاء . الباقون بالياء . قال ابو علي الفارسي : قول ابن كثير ( خِطاء ) يجوز ان يكون مصدر خاطأ ، وان لم يسمع ( خاطأ ) ولكن قد جاء ما يدل عليه ، لأن ابا عبيدة انشد : @ تخاطأت النبل أحشأه @@ وانشدنا محمد بن السدي في وصف كمأة : @ وأشعث قد ناولته أحرس القرى أدرَّت عليه المدجنات الهواضب تخاطاءه القناص حتى وجدته وخرطومه من منقع الماء راسب @@ فتخاطأت مما يدل على خاطأ ، لأن ( تفاعل ) مطاوع ( فاعل ) كما ان ( تفعّل ) مطاوع فعل ، وقول ابن عامر ( خطأ ) ، فان الخطأ ما لم يتعمد ، وما كان المأثم فيه موضوعاً عن فاعله ، وقد قالوا : اخطأ في معنى خطىء ، كما ان خطىء في معنى اخطأ ، قال الشاعر : @ عبادك يخطئون وأَنت ربٌّ كريم لا تليق بك الذُّموم @@ ففحوى الكلام أنهم خاطئون ، وفي التنزيل { لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } فالمؤاخذة من المخطىء موضوعة ، فهذا يدل على ان اخطأ في قوله : @ يا لهف هند إِذ خطئن كاهلاً @@ وفي قول آخر : @ والناس يلحون الأمير اذا هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد @@ اي اخطؤه ، وكذلك قول ابن عامر ( خطأ ) في معنى أخطأ ، وجاء الخطأ في معنى الخطاء ، كما جاء خطىء في معنى اخطأ . وقال ابو الحسن : هذا خطاء من رايك ؛ فيمكن أن يكون خطأ لغة فيه أيضاً . ومن قرأ " خطأ " فلانه يقال خطىء يخطأ خطأ إِذا تعمد الشيء حكاه الاصمعي ، والفاعل منه خاطىء ، وقد جاء الوعيد فيه في قوله { لا يأكله إِلا الخاطئون } ويجوز أن يكون الخِطأ لغة في الخطأ مثل المثل والمثل ، والشبه والشبهه ، والبدل والبدل ، قال الفراء : لغتان مثل قتب وقتب ، وبدل وبدل ، وحكى ابن دريد عن أبي حاتم ، قال تقول : مكان مخطؤ فيه من خطئت ومكان مخطأ فيه من اخطأ يخطىء ، ومكان مخطوّ بغير همزة من تخطى الناس فيخطَّى ، ومن همزه تخطيت الناس ، فقد غلط وقال المبرد : خطَّأه وخطاه بمعنى ، عند ابي عبيدة والفراء والكسائي ، إِلاّ ان ( الخطأ ) بكسر الخاء أكثر في القرآن ( والخطأ ) بالفتح افشى في كلام الناس ولم يسمع الكثير في شيء من اشعارهم الا في بيت قاله الشاعر : @ الخِطأ فاحشة والبرّ فاضلة كعجوة غرست في الأرض توبير @@ قال ابو عبيد : وفيه لغتان ، خطئت وأخطأت ، فمن قال : خطئت قال خطأ الرجل يخطأ خطأ ، وخطاء ، يكون الخطأ بفتح الخاء هو المصدر ، وبكسرها الاسم . ومن قال اخطأت كان الخطأ بالفتح والكسر ، جميعاً اسمين والمصدر الإخطاء . وقال أبو علي : قوله { فلا يسرف في القتل } فاعل يسرف يجوز أن يكون أحد شيئين : أحدهما - أن يكون القاتل الأول ، فيكون التقدير فلا يسرف القاتل في القتل وجاز أن يضمر ، وإِن لم يجر له ذكر ، لأن الحال تدل عليه ، ويكون تقديره بالاسراف جارياً مجرى قوله في أكل مال اليتيم { ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا } وإِن لم يجز أن تأكل منه لا على الاقتصاد ولا على غيره ، لقوله { إِن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إِنما يأكلون في بطونهم ناراً } فحظر أكل مال اليتيم حظراً عامّاً وعلى كل حال ، فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول لا تسرف في القتل ، لأنه يكون بقتله مسرفاً ، ويؤكد ذلك قوله { يا عبادي الذين أسرفواعلى أنفسهم } فالقاتل داخل في هذا الخطاب - بلا خلاف - مع جميع مرتكبي الكبائر ، ويكون الضمير على هذا في قوله { إنه كان منصوراً } على قوله { ومن قتل مظلوماً } [ وتقديره ، فلا يسرف القاتل الأول بقتله في القتل ، لأن من قتل مظلوماً كان منصوراً ] بأن يقتص له وليّه أو السلطان إِن لم يكن له وليّ غيره ، فيكون هذا ردعاً للقاتل عن القتل ، كما أن قوله { ولكم في القصاص حياة } كذلك ، فالولي إِذا اقتص ، فإِنما يقتص للمقتول ، ومنه انتقل إِلى الولي بدلالة أن المقتول يبرىء من السبب المؤدي إِلى القتل ، ولم يكن للولي أن يقتص ، ولو صالح الولي من العمد - على مال كان - للمقتول أن يؤديه منه ديناً عليه أن يقتص منه دون المقتول ، ولا يمتنع أن يقال في المقتول منصور ، لانه قد جاء قوله { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } . والآخر - أن يكون في يسرف ضمير الولي ، وتقديره فلا يسرف الولي في القتل ، وإِسرافه فيه أن يقتل غير من قتل او يقتل اكثر من قاتل وليه ، لان مشركي العرب كانوا يفعلون ذلك ، والتقدير فلا يسرف في القتل ان الولي كان منصوراً بقتل قاتل وليّه . والاقتصاص منه . ومن قرا بالتاء احتمل ايضاً وجهين : احدهما - ان يكون المستثنى القاتل ظلماً ، فقيل له لا تسرف ايها الإنسان فقتل ظلماً من ليس لك قتله ، اذ من قتل مظلوماً كان منصوراً بأخذ القصاص له . والآخر - ان يكون الخطاب للولي ، والتقدير لا تسرف في القتل ايها الولي فتتعدى قاتل وليّك الى من لم يقتله ، لان المقتول ظلماً كان منصوراً ، وكل واحد من المقتول ظلماً ومن وليّ المقتول قد تقدم في قوله { ومن قتل مظلوماً } الآية . وقوله { ولا تقتلوا } يحتمل موضعه شيئين من الاعراب : احدهما - ان يكون نصباً بـ { قضى ربك أن لا تعبدوا إِلا إِياه … ولا تقتلوا } ويحتمل ان يكون جزماً على النهي ، فيكون الله تعالى نهى الخلق عن قتل اولادهم خشية الاملاق . و ( الاملاق ) الفقر ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد ، وانما نهاهم عن ذلك لانهم كانوا يئدون البنات بدفنهم احياء فنهاهم الله عن ذلك . وقوله { نحن نرزقهم وإِياكم } إِخبار منه تعالى انه الذي يرزق الاولاد و الآباء فلا ينبغي قتلهم خوف الفقر ، واخبر ان قتلهم في الجاهلية { كان خطأ كبيراً } وهو الآن خطأ وإِثم كبير ، ثم قال { ولا تقربوا الزنى } ومعناه لا تزنوا ، والزنا هو وطؤ المراة حراماً بلا عقد ولا شبهة عقد مختاراً ، ثم اخبر ان الزنا فاحشة اي معصية كبيرة { وساء سبيلاً } اي بئس الطريق ذلك . وفي الناس من قال : الزنا قبيح بالعقل لما في ذلك من ابطال حق الولد على الوالد ، وفساد الانساب . وقوله { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله } نهي من الله تعالى عن قتل النفوس المحرم قتلها ، واستثنى من ذلك من يجب عليه القتل إِمّا لكفره ، او ردّته ، او قتله قصاصاً ، فان قتله كذلك حق ، وليس بظلم ، وقد فسرنا تمام الآية . والسلطان الذي جعله الله للولي ، قال ابن عباس ، والضحاك : هو القَود أو الدّية او العفو . وقال قتادة الهاء في قوله { إنه كان منصوراً } عائدة على الولي . وقال مجاهد عائدة على المقتول . ونصرة الله له بذلك حكمه له بذلك . وقيل نصرة النبي والمؤمنين ، ان يعينوه . وقيل الولي هم الوراث من الرجال من الاولاد الذكور ومن الاقارب من كان من قبل الاب .