Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 58-60)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اخبر الله تعالى انه ليس { من قرية إِلا } والله تعالى مهلكها { قبل يوم القيامة } . بكفر من فيها من معاصيهم جزاء على افعالهم القبيحة { أو معذبوها عذاباً شديداً } والمعنى ان يكون إِما الإِهلاك والإستئصال أو العذاب ، والمراد بذلك قرى الكفر والضلال دون قرى الإيمان . وقيل إِن ذلك يكون في آخر الزمان ، فيهلك الله كل قرية بعقوبة بعض من فيها ، ويكون امتحاناً للمؤمنين الذين فيها . وقيل : ان المعنى ما من قرية إِلا والله مهلكها إِما بالموت لأهلها او عذاب يستأصلهم ثم اخبر أن ذلك كائن لا محالة ، ولا يكون خلافه ، لان ذلك مسطور في الكتاب يعني في اللوح المحفوظ ، والمسطور هو المكتوب يقال : سطر سطراً ، قال العجاج : @ واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الاولى التي كان سطر @@ ثم قال { وما منعنا أن نرسل بالآيات } يعني الآيات التي اقترحتها قريش من قولهم : حول لنا الصفا ذهباً وفجر لنا من الارض ينبوعا ، وغير ذلك ، فأنزل الله الآية إِني إِن حولته ، فلم يؤمنوا لم امهلهم كسنتي فيمن قبلهم ، وهو قول قتادة وابن جريج . والمنع وجود ما لا يصح معه وقوع الفعل من القادر عليه فكأنه قد منع منه ، ولا يجوز إِطلاق هذه الصفة في صفات الله ، والحقيقة إِنا لم نرسل بالآيات لئلا يكذب بها هؤلاء كما كذَّب من قبلهم ، فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة . وقال قوم : يجوز أن يكون قوله تعالى { إِلا أن كذب بها الأولون } تكون ( إِلا ) زايدة ، وتقديره ما منعنا ان نرسل بالآيات { أن كذب بها الأولون } أي لم يمنعنا ذلك من إِرسالها بل أرسلناها مع تكذيب الاولين . ومعنى { أن كذب } هو التكذيب ، كما تقول : أريد ان تقوم بمعنى أريد قيامك . ويحتمل ان يكون " إِلا " بمعنى ( الواو ) كما قال { لئلا يكون للناس عليكم حجة إِلاّ الذين ظلموا } معناه والذين ظلموا منهم ، فلا حجة لهم عليهم . ويكون المعنى وما منعنا أن نرسل بالآيات وإِن كذب بها الأولون أي لسنا نمتنع من إِرسالها ، وإِن كذبوا بها و ( أن ) الاولى في موضع نصب بوقوع " منعنا " عليها . و ( أن ) الثانية رفع والمعنى ، وما منعنا إِرسال الآيات إِلا تكذيب الاولين من الامم ، والفعل لـ ( أن ) الثانية . وقوله { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } معناه مبصرة تبصر الناس بما فيها من العبر ، والهدى من الضلالة والشقاء من السعادة ، ويجوز أن يكون المراد انها ذات إِبصار ، حكى الزجاج : مبصرة بمعنى مبينة ، وبالكسر معناه تبين لهم ، قال الفراء : مَبصرة مثل مَجبنة ومَنحلة ، وكل ( مَفعلة ) وضعته موضع ( فاعل ) أغنت عن الجمع والتأنيث ، تقول العرب : هذا عشب ملبنة ، مسمنة . والولد مجبنة منحلة . وان كان من الياء والواو ، فاظهرهما ، تقول سراب مبولة ، وكلام مهينة للرجال قال عنترة : @ والكفر مخبثة لنفس المنعم @@ ومعنى مبصرة مضيئة ، قال الله تعالى { والنهار مبصراً } اي مضيئاً . وقوله { فظلموا بها } يعني بالناقة [ لأنهم نحروها وعصوا الله في ذلك ، لانه نهاهم عن ذلك ، فخالفوا ونحروها . وقيل : ظلموا بها ] معناه ظلموا بتكذيبهم إِياها بانها معجزة باهرة . وقوله { وما نرسل بالآيات إِلا تخويفاً } اي لم نبعث الآيات ونظهرها إِلا لتخويف العباد من عقوبة الله ومعاصيه . وقوله { وإذا قلنا لك } اي اذكر الوقت الذي قلنا لك يا محمد { إن ربك أحاط بالناس } اي احاط علماً باحوالهم ، وما يفعلونه من طاعة او معصية ، وما يستحقونه على ذلك من الثواب والعقاب ، وقادرعلى فعل ذلك بهم ، فهم في قبضته ، لا يقدرون على الخروج من مشيئته . وقوله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قيل في معنى ذلك قولان : احدهما - انه اراد رؤية عين ؛ ليلة الاسراء الى البيت المقدس ، فلما اخبر المشركين بما رأى كذبوا به ، ذكره ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، وابراهيم ، وابن جريج ، وابن زيد ، والضحاك ، ومجاهد . الثاني - في رواية اخرى عن ابن عباس : انه رؤيا نوم ، وهي رؤيا انه سيدخل مكة ، فلما صده المشركون في الحديبية شك قوم ودخلت عليهم الشبهة ، فقالوا يا رسول الله : أو ليس قد اخبرتنا انا ندخل المسجد ؟ فقال : قلت لكم انكم تدلونها السنة ؟ ! . فقالوا : لا ، فقال سندخلنها إِن شاء الله ، فكان ذلك فتنة وامتحاناً وروي عن ابي جعفر وابي عبد الله ( ع ) ان ذلك رؤيا رآها في منامه أن قروداً تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك وروى مثل ذلك سهل بن سعد الساعدي عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ذلك . ومثله عن سعد بن بشار ، فأنزل الله عليه جبرائيل واخبره ما يكون من تغلب أمر بني أمية على مقامه وصعودهم منبره . وقوله { والشجرة الملعونة في القرآن } قال ابن عباس والحسن وأبو مالك وسعيد بن جبير وابراهيم ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : إِنها شجرة الزقوم التي ذكرها الله في قوله { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } والمعنى ملعون آكلها ، وكانت فتنتهم بها قول ابي جهل وذويه النار تأكل الشجرة وتحرقها ، فكيف ينبت فيها الشجر . وعن أبي جعفر ان الشجرة الملعونة هم بنو امية ، وقال البلخي : يجوز ان يكون المراد به الكفار . وقوله { ونخوفهم } أي نرهبهم بما نقصّ عليهم من هلاك من مضى بها ، فما يزدادون عند ذلك { إِلا طغياناً كبيراً } أي عتوّاً عظيماً وتمادياً وغيّاً .