Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 7-7)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الكسائي { لنسو وجوهكم } بالنون وفتح الواو ، كما يقال : لن ندعو ، فعلامة النصب فتحة الواو . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم بالياء على واحد " ليسوي " الباقون بالياء والمد ، وعلامة النصب - ها هنا - حذف النون ، وإِنما مدوا ، لتمكين الهمزة ، لأن كل واو سكنت وانضم ما قبلها وثبتت بعدها همزة ، فلا بد من مدّ ، في كلمة كانت أو كلمتين ، نحو { قالوا آمنا } وفي كلمة واحدة نحو { تبوء بإثمي } { وتبوء بحمله } وفي قراءة أبي { ليسؤن وجوهكم } بنون خفيفة للتأكيد ، كقوله { لنسفعاً بالناصية } قال أبو علي الفارسي : لما قال { لتفسدن في الأرض مرتين } وبيّن المرة الأولى قال { فإِذا جاء وعد الآخرة } أي المرة الآخرة بعثناهم { ليسوءوا وجوهكم } فحذف ( بعثناهم ) لأنه تقدم ذكره ، لانه جواب ( إذا ) ، وشرطها يقتضيه ، فحذف للدلالة عليه فأما معنى { ليسؤوا } فقال أبو زيد : يقال : سؤته سأة وساءة ومساءة ومسائية وسوأية ، وقال { وجوهكم } على أن الوجوه مفعولا لـ { يسؤوا } وعدّي إِلى الوجوه ، لان الوجوه قد يراد بها ذوو الوجوه كقوله { كل شيء هالك إِلا وجهه } وقال { وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة } وقال { ووجوه يومئذ ناضرة } وقال النابغة : @ أقارع عوفاً لا أحاول غيرها وجوه قرود تبتغي من تجادع @@ فكأن الوجوه إِنما خصت بذلك ، لانها تدل على ما كان من تغير الوجوه من الناس ، من حزن أو مسرة ، وبشارة وكآبة . وحجة من قرأ بالياء والجمع انه أشبه بما قبله وما بعده ، لان الذي جاء قبله { بعثنا عليكم عباداً } وبعده { وليدخلوا المسجد } وهو بيت المقدس ، والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسؤونهم لقتلهم إِياهم وأسرهم لهم ، فهو وفق المعنى . ومن قرأ بالياء والتوحيد ، ففاعل { ليسوءوا } أحد شيئين . أحدهما - أن يكون اسم الله ، لأن الذي تقدم { بعثنا } { ورددنا لكم } و { أمددناكم } . والآخر - ان يكون البعث والوعد ، ودل عليه { بعثنا } المتقدم كقوله { لا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم } اي البخل . ومن قرأ بالنون كان المعنى كقول من قدر أَن الفعل ما تقدم من اسم الله وجاز ان تنسب المساءة الى الله ، وإِن كانت من الذين جاسوا خلال الديار في الحقيقة ، لانهم فعلوها بقدرة الله وتمكينه ، فجاز ان تنسب اليه ، كما قال { وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى } ويجوز ان يكون اللام في قوله { ليسؤوا } { وليدخلوا } { وليتبروا } لام العاقبة ، لان الله لا يريد منهم ذلك من حيث كان ذلك ظلماً وفساداً . يقول الله تعالى لخلقه من المكلفين { إِن أحسنتم } اي فعلتم الافعال الحسنة من الإنعام الى الغير ، والافعال الجميلة التي هي طاعة { أحسنتم لأنفسكم } ، لان ثواب ذلك ، واصل اليكم { وإِن أسأتم } إِلى الغير وظلمتموه { أَسأتم } لانفسكم لأن وبال ذلك وعقابه واصل اليكم ، وإِنما قال { فلها } ليقابل قوله { أحسنتم لأنفسكم } والمعنى ان اسأتم فإِليها ، كما يقال : احسن إِلى نفسه ليقابل اساء الى نفسه ، على ان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض اذا تقاربت معانيها ، قال تعالى { بأن ربك أوحى لها } والمعنى اوحى اليها . ومعنى انت في منتهى الاساءة ، وانت المختص بالاساءة ، متقارب . { فإِذا جاء وعد الآخرة } يعني وعد المرة الآخرة { ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد } يعني المبعوثين عليكم { كما دخلوه } في المرة الاولى يعنى غيرهم ، لان هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدفعة الاولى { وليتبروا ما علوا تتبيراً } فالتبار والهلاك ، والدمار واحد ، وكل ما انكسر من الزجاج والحديد والذهب تبر . ومعنى { ما علوا تتبيراً } ما غلبوا عليه ، وجواب ( اذا ) محذوف وتقديره : فإِذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم . وقيل : بعثناهم ليسؤوا .