Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 22-24)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) انه سيقول قوم من المختلفين في عدد اصحاب الكهف فى هذا الوقت : انهم ثلاثة رابعهم كلبهم ، وطائفة أخرى يقولون : خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ، وتقول طائفة ثالثة : انهم سبعة وثامنهم كلبهم . وذهب بعضهم الى انهم سبعة لدخول واو العطف بعده في قوله { وثامنهم كلبهم } ولم يقل ذلك في الاول . وهذا ليس بشيء ، لأنه انما لم يدخل الواو في الاول ، لانه جاء على الصفة بالجملة ، والثاني على العطف على الجملة . قال الرماني : وفرق بينهما ، لأن السبعة أصل للمبالغة فى العدة ، كما قال ( عز وجل ) : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وحكى البلخي عن بعض أهل العلم أنه قال : الواجب أن يعد في الحساب : واحد اثنان ثلاثة اربعة ، فاذا بلغت الى السبعة قلت : وثمانية - بالواو - اتباعاً للآية . وقوله { رجماً بالغيب } قال قتادة : معناه قذفاً بالظن . وقال المؤرج : ظناً بالغيب بلغة هذيل . وقال قوم : ما لم تستيقنه فهو الرجم بالغيب قال الشاعر : @ واجعل مني الحق غيباً مرجماً @@ وقال زهير : @ وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم @@ ثم قال تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : قل لهم يا محمد : ربي اعلم بعدتهم ، من الخائضين في ذلك والقائلين فى عددهم بغير علم . ثم قال تعالى : ليس يعلم عددهم إلا قليل من الناس ، وهم النبي ومن أعلمه الله من نبيه . وقال ابن عباس : أنا من القليل الذين يعلمون ذلك : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم . ثم قال تعالى ، ناهياً لنبيه - والمراد به امته - { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهراً } . قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك : معناه إلا بما أظهرنا لك من امرهم ، والمعنى انه لا يجوز أن تماري وتجادل إلا بحجة ودلالة ، واخبار من الله ، وهو المراء الظاهر . وقال الضحاك : معناه حسبك ما قصصنا عليك . وقال البلخي : وفى ذلك دلالة على أن المراء قد يحسن إذا كان بالحق وبالصحيح من القول . وإنما المذموم منه ما كان باطلا والغرض المبالغة لا بيان الحق . والمراء الخصومة والجدل . وقوله { ولا تستفت فيهم } يعني فى أهل الكهف ، وفى مقدار عددهم { منهم } يعني من اهل الكتاب { أحداً } ولا تستفهم من جهتهم . وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة . وقوله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } نهي من الله تعالى لنبيه ان يقول : اني افعل شيئاً في الغد إلا أن يقيد قوله بمشيئة الله ، فيقول : ان شاء الله ، لانه لا يأمن اخترامه ، فيكون خبره كذباً . وإذا قيده بقوله إن شاء الله ، ثم لم يفعل ، لم يكن كاذباً . والمراد بالخطاب جميع المكلفين ، ومتى اخبر المخبر عن ظنه وعزمه بأنه يفعل شيئاً فيما بعد ثم لم يفعل لا يكون كاذباً ، لانه اخبر عن ظنه وهو صادق فيه . وقال قوم : " إلا أن يشاء الله " معناه إلا أن يشاء الله أن يلجئني الى تركه . وقال الفراء : قوله { إلا أن يشاء الله } بمعنى المصدر ، فكأنه قال إلا مشيئة الله والمعنى إلا ما يريده الله . وإذا كان الله تعالى لا يشاء إلا الطاعات فكأنه قال : لا تقل اني افعل إلا الطاعات وما يقرب الى الله . وهذا وجه حسن . ولا يطعن في ذلك جواز الاخبار عما يريد فعله من المباحات التي لا يشاؤها الله ، لأن هذا النهي ليس نهي تحريم ، وانما هو نهي تنزيه ، لانه لو لم يقل ذلك لما أثم بلا خلاف وانما هو نهي تحريم فيما يتعلق بالقبيح فانه لا يجوز أن يقول اني افعل ذلك بحال . والآية تضمنت أن لا يقول الانسان اني افعل غداً شيئاً إلا أن يشاء الله . فأما أن يعزم عليه من ذكر ذلك ، فلا يلزم المشيئة فيه إلا ندباً . بغير الآية . وقوله { واذكر ربك إذا نسيت } قال الحسن : معناه انه اذا نسي أن يقول : إن شاء الله ، ثم ذكر فليقل ان شاء الله . وقال ابن عباس : له ان يستثني ولو الى سنة . وقال بعضهم : وله أن يستثني بعد الحنث إلا انه لا تسقط عنه الكفارة في اليمين ، إلا إن يكون الاستثناء موصولا بالاجماع . وقال الحسن له أن يستثني ما لم يقم من مجلسه الذي هو فيه ، فان قام بطل استثناؤه . وقال قوم { واذكر ربك إذا نسيت } أمراً ثم تذكرته ، فان لم تذكره فقل { عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } . وقال بعضهم : عسى أن يعطيني ربي من الرشد ما هو أولى من قصة اصحاب الكهف . والذي نقوله : ان الاستثناء متى لم يكن متصلا بالكلام أو فى حكم المتصل ، لم يكن له تعلق بالاول ولا حكم له ، وانه يجوز دخول الاستثناء بمشيئة الله في جميع انواع الكلام : من الامر . والنهي ، والخبر ، والأيمان ، وغير ذلك . ومتى استثنى ثم خالف لم يكن حانثاً في يمينه ولا كاذباً في خبره . ومتى هو استثناه بعد مدة بعد انفصال الكلام لم يبطل ذلك حنثه ولزمته الكفارة . ولو لم نقل ذلك أدى الى ان لا يصح يمين ولا خبر ولا عقد ، فان الانسان متى شاء استثنى في كلامه ويبطل حكم كلامه . وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : " من حلف على أمر يفعله ثم رأى ما هو خير له فليحنث وليكفر عن يمينه " ولو كان الاستثناء جائزاً بعد مدة ، لكان يقول فليستثني ولا يحتاج الى الكفارة ولا يلزمه الحنث . وقد روي في اخبارنا مثل ما حكيناه عن ابن عباس . ويشبه أن يكون المراد به أنه اذا استثنى وكان قد نسي من غير تعمد فانه يحصل له ثواب المستثني دون أن يؤثر في كلامه ، وهو الاشبه بابن عباس وأليق بعمله وفعله ، فان ما حكي عنه بعيد جداً . وقال المبرد ، وجماعة : إن قوله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } ضم الاستثناء الى الكلام الذي قبله . ثم قال { واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى } استأنف كلاماً آخر وقصة أخرى . وقال الجبائي هذا استئناف كلام من الله ، وأمر منه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه اذا أراد فعلا من الافعال فنسيه فليذكر الله وليقل عسى أن يهديني ربي لاقرب مما نسيته رشداً . وقال عكرمة : { اذكر ربك إذا نسيت } معناه اذا نسيت امراً فاذكر ربك تتذكره ، وهذا يدل على أنه لم يرد اليمين في الاستثناء . وقيل سبب نزول ذلك أن قريشاً لما جاءت وسألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قصة اصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ، فقال لهم : غداً اخبركم ، فأبطأ عنه جبرائيل . وقيل تأخر عنه اياماً ثم أتاه بخبرهم . وهذا ليس بصحيح ، لانه لو كان كذلك بأن وعدهم بأن يخبرهم غداً ثم لم يخبرهم لكان كذباً ، وهو منه محال . وقال ابراهيم : اذا حلف الحالف والكلام متصل فله استثناؤه اذا قال ان شاء الله . وقال الكسائي والفراء : التقدير : ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول ان شاء الله فأضمر القول . وانما كان الاستثناء مؤثراً اذا كان الكلام متصلا لانه يدل على انه يؤل كلامه ، وإذا لم يكن متصلاً فقد استقرت نيته وثبتت فلا يؤثر الاستثناء فيها . وروي عن ابن عباس انه قال : { رابعهم كلبهم } يعني راعياً يتبعهم ، حكاه قطرب . وقال اخبر عن الكلب وأراد صاحبه ، كقوله { واسأل القرية } . وانما اراد اهلها . [ وهذا لا يصح مع ظاهر قوله { وكلبهم باسط ذارعيه } ] وقال الجبائي : لما اجتازوا على الراعي ، فقال لهم اين تريدون قالوا : نفر بديننا ، فقال الراعي : انا أولى بذلك ، فتبعهم وتبعه الكلب . وفي اصحاب الحديث من يقول : ان الكلب خاطبهم بالتوحيد والاعتراف بما اعترفوا به ، ولذلك تبعهم . وهذا خرق عادة يجوز أن يكون الله فعله لطفاً لهم ، ومعجزة لبعضهم على ما حكي ان بعضهم كان نبياً ، وهو رئيسهم ، فيكون ذلك معجزة له ، غير انه ليس بمقطوع به . وقوله { عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } معناه قل يا محمد عسى ان يعطيني ربي من الآيات على النبوة ما يكون اقرب وأدل من قصة اصحاب الكهف .