Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 31-34)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ عاصم وأبو جعفر وروح { وكان له ثمر } . { وأحيط بثمره } بفتح الثاء والميم فيهما ، وافقهم رويس في الاولى . وقرأ أبو عمرو - بضم الثاء وسكون الميم - فيهما . الباقون بضمهما فيهما . قال أبو علي : الثمر ما يجتنى من ذي الثمر وجمعه ثمرات مثل رحبة ورحبات : ورقبة ورقبات ، ويجوز في جمع { ثمرة } ضربان : احدهما - على ثمر ، كبقرة وبقر والاخر - على التكسير ، فتقول ثمار كرقبة ورقاب ، فيشبه المخلوقات بالمصنوعات وشبه كل واحد منهما بالآخر . ويجوز فى القياس أن يكسر ( ثمار ) الذي هو جمع ثمرة على ثمر ، ككتاب وكتب ، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة كبدنة وبدن وخشبة وخشب ، ويجوز أن يكون ثمر واحداً كعنق وطنب ، فعلى جميع هذه الوجوه يجوز اسكان العين منه . ومثله في قوله { وأحيط بثمره } . وقال بعض أهل اللغة : الثمر المال ، والثمر المأكول . وجاء في التفسير ( إن الثمر النخل والشجر ) ولم يرد به الثمر . فالثمر - على ما روي عن جماعة من السلف - الاصول التي تحمل الثمرة لا نفس الثمرة بدلالة قوله { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } أي في الجنة والنفقة انما تكون على ذوات الثمر في الأكثر ، فكأن الآية التي أرسلت عليها اصطلمت الاصول وإجتاحتها ، كما قال تعالى فى صفة الجنة الاخرى { فأصبحت كالصريم } أي كالليل في سواده لاحتراقها بعد أن كانت كالنهار فى بياضها . وحكي عن أبي عمرو ، إن الثمرة والثمر أنواع المال من الذهب والفضة وغيرهما يقال : فلان مثمر أي كثير المال ، ذهب اليه مجاهد وغيره . اخبر الله تعالى في الآية الاولى عما للمؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين أخبر عنهم بأنه لا يضيع عملهم الحسن ، وما قد أعدّ لهم ، فقال { لهم جنات عدن } والجنات جمع جنة ، وهي البستان الذي فيها الشجر . ومعنى { عدن } أي موضع اقامة ، وانما سمي بذلك ، لانهم يبقون فيها ببقاء الله دائماً وأبداً ، والعدن الاقامة . وقيل : هو اسم من اسماء الجنة - في قول الحسن - ويقال عدن بالمكان يعدن عدناً اذا أقام فيه ، فسمى الجنة عدناً من اقامة الخلق فيها . ثم وصف هذه الجنة ، فقال { تجري من تحتهم الأنهار } وقيل في معنا ذلك قولان : احدهما - إن انهار الجنة في اخاديد من الارض ، فلذلك قال من تحتهم . الثاني - انهم على غرف فيها فالانهار تجري من تحتهم ، كما قال تعالى { وهم في الغرفات آمنون } وقوله { يحلون فيها من أساور من ذهب } أي يجعل لهم فيها حلياً من زينة من أساور ، وهو جمع اسوار على حذف الزيادة ، لأن مع الزيادة أساوير ، فى قول قطرب . وقيل هو جمع اسورة ، واسورة جمع سوار ، يقال بكسر السين وضمها - في قول الزجاج - والسوار زينة تلبس في الزند من اليد . وقيل هو من زينة الملوك يسور في اليد ويتوج على الرأس . { ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق } فالسندس ما رقّ من الديباج واحده سندسة وهي الرقيقة من الديباج ، على أحسن ما يكون وأفخره ، فلذلك شوّق الله اليه . والاستبرق الغليظ من الديباج . وقيل هو الحرير قال المرقش : @ تراهن يلبسن المشاعر مرّة واستبرق الديباج طوراً لباسها @@ وقوله تعالى { متكئين } نصب على الحال { فيها } يعنى فى الجنة { على الأرائك } جمع أريكة ، وهي السرير قال الشاعر : @ خدوداً جفت فى السير حتى كأنما يباشرن بالمعزاء مس الارائك @@ وقال الاعشى : @ بين الرواق وجانب من سيرها منها وبين أريكة الانضاد @@ أي السرير في الحجلة . وقال الزجاج : الارائك الفرش في الحجال . ثم قال تعالى إن ذلك { نعم الثواب } والجزاء على الطاعات { وحسنت مرتفقاً } يعني حسنت الجنة مرتفقاً ، فلذلك أنث الفعل ، ومعنى { مرتفقاً } اي مجلساً ، وهو نصب على التمييز . ثم قال { واضرب لهم مثلاً رجلين } أي اضرب رجلين لهم مثلا { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل } أي جعلنا النخل مطيفاً بهما يقال حفه القوم يريد إذا طافوا به { وجعلنا بينهما زرعاً } اعلام بأن عمارتهما كاملة متصلة لا يفصل بينمها إلا عمارة . واعلمنا أنهما كاملتان في تأدية كل حملها من غلتها ، فقال { كلتا الجنتين آتت أكلها } أي طعمها وما يؤكل منها { ولم تظلم منه شيئاً } أي لم تنقص بل أخرجت ثمرها على الكمال والتمام ، قال الشاعر : @ يظلمني مالي كذا ولوى يدي لوى يده الله الذي هو غالبه @@ أي ينقصني مالي . وقال الحسن : معناه لم ينقص { وفجرنا خلالهما نهراً } أي شققنا نهراً بينهما ، وفائدتهما أنهما يشربان من نهر واحد . { وكان له ثمر } وقرئ { ثمر } قال مجاهد هو ذهب ، وفضة . وقال ابن عباس وقتادة : هو صنوف الأموال ، يقال : ثمار وثمر مثل حمار وحمر ، ويجوز أن يكون جمع ثمر ، مثل خشب وخشب ، وانما قال { كلتا الجنتين آتت } على لفظ كلتا ، لانه بمنزلة ( كل ) في مخرج التوحيد . ولو قال آتتا ، على الجنتين كان جائزاً قال الشاعر في التوحيد : @ وكلتاهما قد خط لي في صحيفتي فلا العيش اهواه ولا الموت أروح @@ ويجوز كلاهما في الحديث قال الشاعر : @ كلا عقبيه قد تشعث رأسها من الضرب في جنبي ثقال مباشر @@ والالف واللام في كلتا ليست ألف التثنية ، ولذلك يجوز أن تقول الاثنتان قام ، ويجوز ان يقال كل الجنة آتت . ولا يجوز كل المرأة قامت ، لان بعض الامرأة ليس بامراة وبعض الجنة جنة ، فكأنه قال كل جنة من جملة ما آتت . وقوله { فقال لصاحبه وهو يحاوره } أي يقول احد الرجلين لصاحبه يعنى صاحبي الجنتين اللتين ضرب بهما المثل ، يقول لصاحبه الآخر { وهو يحاوره } أي يراجعه الكلام { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } أي أجمع مالا وأعز عشيرة واكثر انصاراً ، وقد فسرناه فيما مضى وإنما قال { وفجرنا خلالهما نهراً } والنهر يتفجر من موضع واحد لان النهر يمتد حتى يصير التفجر كانه فيه كله ، فالتخفيف والتثقيل فيه جائزان ومنه { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } يخفف ويثقل على ما مضى القول فيه .