Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 35-37)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الحجاز وابن عامر { خيراً منهما } بزيادة ميم على التثنية . الباقون بلا ميم . اخبر الله تعالى عن أحد الرجلين اللذين ضرب بهما المثل ، وهو صاحب الجنتين انه دخل جنته وهي البستان الذي يجنه الشجر ويحفه الزهر ، { وهو ظالم لنفسه } أي باخس لها حقها بارتكاب القبيح والاخلال بالواجب اللذين يستحق بهما العقاب ويفوته بهما الثواب ، فلما رأى هذا الجاهل ما راقه وشاهد ما أعجبه ، وكبر فى نفسه توهم أنه يدوم ، وأن مثله لا يفنى ، فقال { ما أظن أن تبيد هذه أبداً } أي تهلك هذه الجنة أبداً { وما أظن الساعة قائمة } يعني يوم القيامة أي تقوم ، كما يدعيه الموحدون . ثم قال { ولئن رددت إلى ربي } وجدت { خيراً منها } يعني من الجنة . ومن قرأ { منهما } أراد الجنتين { منقلباً } أي في المرجع اليه . وانما قال هذا مع كفره بالله تعالى ، لأن المعنى ان رددت الى ربي ، كما يدعى من رجوعي ، فلي خير من هذه ، تحكما سولته له نفسه ، لا مطمع فيه . وقال ابن زيد : شك ، ثم قال على شكه فى الرجوع الى ربه ما أعطاني هذه الأولى عنده خير منها { فقال له صاحبه وهو يحاوره } أي يراجعه الكلام { أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً } ومعنى خلقك من تراب أن اصلك من تراب إذ خلق اباك آدم ( ع ) من تراب ، فهو من تراب ويصير الى التراب ، وقيل لما كانت النطفة يخلقها الله بمجرى العادة من الغذاء ، والغذاء نبت من التراب ، جاز أن يقال : خلقك من تراب ، لان أصله تراب كما قال من نطفة ، وهو فى هذه الحال خلق سوي حي ، لكن لما كان أصله كذلك جاز أن يقال ذلك . وفى الآية دلالة على ان الشك فى البعث والنشور كفر ، والوجه في خلق البشر وغيره من الحيوان وتنقله من تراب الى نطفة ، ثم الى علقة ، ثم الى صورة ، ثم الى طفولية ، ثم الى حال الرجولية ، ما فى ذلك من الاعتبار الذي هو دال على تدبير مدبر مختار يصرف الاشياء من حال الى حال ، لان ما يكون فى الطبع يكون دفعة واحدة كالكتابة التي يوجدها بالطبائع من لا يحسن الكتابة ، فلما انشأ الخلق حالا بعد حال دل على أنه عالم مختار . و ( المحاورة ) مراجعة الكلام و { المنقلب } المعاد ، و ( التسوية ) جعل الشيء على مقدار سواه ، فقوله { سواك رجلاً } أي كملك رجلا .