Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 50-52)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة وحده { ويوم نقول } بالنون ، على أن الله تعالى هو المخبر عن نفسه بذلك ، لانه قال قبل ذلك { وما كنت متخذ المضلين عضداً ، ويوم نقول } حمله على ما تقدم ، والجمع والافراد بذلك المعنى . الباقون بالياء ، بمعنى قل يا محمد يوم يقول الله أين شركائي الذين زعمتم ، ولو كان بالنون لكان الأشبه بما بعده ان يكون جمعاً ، فيقول شركاؤنا ، فأما قوله { الذين زعمتم } فالراجع الى الموصول محذوف ، والمعنى الذين زعمتموهم اياهم أي زعمتموهم شركاء ، فحذف الراجع من الصلة ، ولا بد من تقديره كقوله { أهذا الذي بعث الله رسولاً } يقول الله تعالى لنبيه واذكر الوقت الذي قال الله فيه { للملائكة اسجدوا لآدم } وانهم { سجدوا إلا إبليس } وقد فسرناه فيما تقدم . وقيل : إنما كرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج الى اتصاله به ، فهو كالمعنى الذي يفيد أمراً فى مواضع كثيرة ، والاخبار عنه باخبار مختلفة ، كقولهم برهان كذا كذا وبرهان كذا كذا ، للمعنى الذي يحتاج الى احكامه فى أمور كثيرة . وقوله { كان من الجن } قيل معناه صار من الجن المخالفين لأمر الله . وقال قوم : ذلك يدل على أنه لم يكن من الملائكة ، لأن الجن جنس غير الملائكة ، كما ان الانس غير جنس الملائكة والجن ، ومن زعم انه كان من الملائكة يقول : معنى كان من الجن يعنى من الذين يستترون عن الابصار لانه مأخوذ من الجن وهو الستر ، ومنه المجن لأنه يستر الانسان . وقال ابن عباس : نسب الى الجنان التي كان فيها ، كقولك كوفي وبصري ، وقال قوم : بل كانت قبيلته التى كان فيها يقال لهم الجن ، وهم سبط من الملائكة ، فنسب اليهم . وقال ابن عباس : لو لم يكن ابليس فى الملائكة ما أمر بالسجود . وقال وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم . وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { كان من الجن } قال : كان ابليس من الملائكة فلما عصى لعن فصار شيطاناً . ومن قال إن ابليس له ذرية والملائكة لا ذرية لهم ولا يتناكحون ولا يتناسلون عول على خبر غير معلوم . فأما الاكل والشرب ففي الملائكة ولو علم انه مفقود ، فانا لا نعلم أن ابليس كان يأكل ويشرب ، فأما من قال إن الملائكة رسل الله ، ولا يجوز عليهم أن يرتدوا . فلا نسلم لهم أن جميع الملائكة رسل الله ، وكيف نسلم ذلك ، وقد قال الله تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلاً } فأدخل ( من ) للتبعيض ، فدل على أن جميعهم لم يكونوا رسلا أنبياء ، كما انه تعالى قال { ومن الناس } فدل على أن جميع الناس لم يكونوا انبياء . وقوله { ففسق عن أمر ربه } معناه خرج عن أمر ربه الى معصيته بترك السجود لآدم . وأصل الفسق الخروج الى حال تضر ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وفسقت الفارة إذا خرجت من حجرها قال رؤبة : @ يهوين فى نجد وغوراً غايراً فواسقاً عن قصدها جوائرا @@ وقال ابو عبيدة : هذه التسمية لم أسمعها في شيء من أشعار الجاهلية ، ولا أحاديثها ، وانما تكلمت بها العرب بعد نزول القرآن ، قال المبرد : والأمر على ما ذكر أبو عبيدة ، وهي كلمة فصيحة على ألسنة العرب ، وأوكد الأمور ما جاء في القرآن . وقال قطرب : معنا { ففسق عن أمر ربه } عن رده أمر ربه ، كقولهم كسوته عن عرى وأطعمته عن جوع ، ثم خاطب تعالى الخلق الذين أشركوا بالله غيره ، فقال { أفتتخذونه يعني إبليس وذريته أولياء } أي أنصاراً توالونهم من دون الله { وهم } يعني ابليس { وذريته عدو لكم } يريدون بكم الهلاك والدمار { بئس } البدل { للظالمين بدلاً } ونصب { بدلا } على التمييز . ثم قال { ما أشهدتهم خلق السماوات } وقيل معناه ما أشهدتهم ذلك مستعيناً بهم ، وقيل معناه ما أشهدت بعضهم خلق بعض . ووجه اتصال ذلك بما قبله اتصال الحجة التي تكشف حيرة الشبهة ، لانه بمنزلة ما قيل إنكم قد أقبلتم على اتباع ابليس وذريته حتى كأن عندهم ما تحتاجون اليه ، فلو اشهدتهم خلق السموات والأرض وخلق أنفسهم ، فلم يخف عليهم باطن الأمور وظاهرها لم تزيدوا على ما أنتم عليه فى امركم . ثم قال تعالى { وما كنت متخذ المضلين عضداً } يعني اعواناً ، وهو قول قتادة وهو من اعتضد به إذا استعان به . وفي عضد خمس لغات ، وهي عَضَد وعُضُد وعَضِد وعُضْد وعَضُد . ثم اخبر تعالى عن حالهم يوم القيامة فقال واذكر يوم يقول الله تعالى للمشركين نادوا شركائي الذين زعمتم - على وجه التقريع والتوبيخ - واستغيثوا بهم ، فدعوهم يعني المشركين يدعون أولئك الشركاء الذين عبدوهم مع الله ، فلا يستجيبون لهم ثم قال تعالى { وجعلنا بينهم موبقاً } قال ابن عباس أي مهلكاً ، وبه قال قتادة والضحاك وابن زيد ، وهو من أوبقته ذنوبه أي اهلكته . وقال الحسن معنا { موبقاً } أي عداوة ، كأنه قال عداوة مهلكة . وقال أنس بن مالك : هو واد في جهنم من قيح ودم . وحكى الكسائي وبق يبق وبوقاً ، فهو وابق إذا هلك ، وحكى الزجاج : وبق الرجل يوبق وبقاً . والوبق مصدر وبق .