Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 56-58)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخبر الله تعالى أنه لم يرسل رسله الى الخلق ، إلا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا ، ومخوفين لهم من النار إذا عصوا ، فالبشارة الاخبار بما يظهر سرورة فى بشرة الوجه يقال بشره تبشيراً وبشارة ، وأبشره إبشاراً إذا استبشر بالأمر . ومنه البشر لظهور بشرته . ثم قال { ويجادل الذين كفروا بالباطل } أي يناظر الكفار دفعاً عن مذاهبهم بالباطل . وذلك انهم ألزموه أن يأتيهم أو يريهم العذاب على ما توعدهم ما هو لاحق بهم إن أقاموا على كفرهم . والباطل المعني الذي معتقده على خلاف ما هو به ، كالمعني في انه ينبغي أن تكون آيات الأنبياء على ما تقتضي الأهواء ، كالمعني في أنه : يجب عبادة الأوثان على ما كان عليه الكبراء { ليدحضوا به الحق } والادحاض الاذهاب بالشيء الى الهلاك ، ودحض هو دحضاً . ومكان دحض أي مزلق مزل ، لا يثبت فيه خف ولا حافر ، ولا قدم ، قال الشاعر : @ وردت ونحن اليشكري حذاره وحاد كما حاد البعير عن الدحض @@ ثم اخبر تعالى عنهم أنهم { اتخذوا آيات الله } ودلالته وما خوفوا به من معاصيه { هزواً } أي سخرية يسخرون منه . ثم قال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } اي من أظلم لنفسه ممن نبه على أدلته وعرفه الرسل اياها { فأعرض عنها } جانباً ، ولم ينظر فيها { ونسي ما قدمت يداه } أي نسي ما فعله من المعاصي التي يستحق بها العقاب . وقال البلخي : معناه تذكر واشتغل عنه استخفافاً به ، وقلة معرفة بعاقبته ، لا انه نسيه . ثم قال تعالى { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } وهي جمع كنات كراهية أن يفقهوه ، وقيل لئلا يفقهوه { وفي آذانهم وقراً } أي ثقلا . وقد بينا معنى ذلك فيما مضى وجملته أنه على التشبيه في جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه كقوله { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً } والمعنى كأن قلوبهم فى أكنة عن أن تفقه . وفى آذانهم وقراً أن تسمع ، وكأنه مستحيل أن يجيبوا الداعي الى الهدى . ويقوي ذلك قوله { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها } فدل انه كان يسمعها حتى صح إعراضه عنها . وقال البلخي : يجوز ان يكون المراد انا إذا فعلنا ذلك ليفقهوا فلن يفقهوا ، لانه شبههم بذلك ويجوز ان يكون المراد بذلك الحكاية عنهم انهم قالوا ذلك ، كما حكى تعالى { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } ثم قال إن كان الأمر على ذلك فلن يهتدوا إذاً أبداً . وقوله { وإن تدعهم إلى الهدى } مع ما جعلنا فيهم { فلن يهتدوا إذاً أبداً } ولا يرجعون اليها ، بسوء اختيارهم ، وسوء توفيقهم ، من الله جزاء على معاصيهم ، وذلك يختص بمن علم الله أنه لا يؤمن منهم ، ويجوز أن يكون الجعل في الآية بمعنى الحكم والتسمية ، ثم قال { وربك } يا محمد { الغفور ذو الرحمة } يعني الساتر على عباده إذا تابوا ، ذو الرحمة بهم { لو يؤاخذهم بما كسبوا } عاجلا { لعجل لهم العذاب } لكن لا يؤاخذهم ، لأن لهم موعداً وعدهم الله ان يعاقبهم فيه وهو يوم القيامة { لن يجدوا من دونه موئلاً } اي ملجأ - في قول ابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال مجاهد : يعني محرزاً ، وقال ابو عبيدة : يعني منجاً ينجيهم ، ويقال : لا وألت نفسه بمعنى لا نجت قال الاعشى : @ وقد اخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل @@ وقال الآخر : @ لا وألت نفسك خليتها للعامريين ولم تكلم @@ أي لا نجت نفسك :