Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 59-61)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ عاصم { لمهلكهم } بفتح الميم واللام ، في رواية أبي بكر عنه . وفي رواية حفص - بفتح الميم وكسر اللام - الباقون بضم الميم وفتح اللام ، من فتح الميم واللام جعله مصدراً ، لهلك يهلك مهلكا ، مثل طلع مطلعاً ، ومن كسر اللام جعله وقت هلاكهم أو موضع هلاكهم مثل مغرب الشمس . وحكى سيبويه عن العرب : أتت الناقة على مضربها ومنتجها - بالكسر - أي وقت ضرابها ونتاجها . وإنّ فى الف ( لمضربا ) بفتح الراء أي ضرباً جعلها مصدراً ومن ضم الميم وفتح اللام - وهو الاختيار - فلان المصدر من ( أفعل ) والمكان يجيء على ( مفعل ) كقوله { أدخلني مدخل صدق } كذلك : أهلكه الله مهلكاً . وكل فعل كان على ( فعل يفعل ) مثل ضرب يضرب فالمصدر مضرب بالفتح ، والزمان والمكان ( مفعل ) بكسر العين ، وكل فعل كان مضارعه ( يفعل ) بالفتح نحو يشرب ويذهب ، فهو مفتوح أيضاً نحو المشرب والمذهب . وكل فعل كان على ( فعل يفعل ) بضم العين في المضارع نحو يدخل ويخرج ، فالمصدر والمكان منه بالفتح نحو المدخل والمخرج إلا ما شذ منه نحو المسجد ، فانه من سجد يسجد ، وربما جاء في ( فعل يفعل ) المصدر بالكسر كقوله { إلى الله مرجعكم } أي رجوعكم ، ونحو قوله { ويسئلونك عن المحيض } ونحو قوله { وجعلنا النهار معاشاً } فهذا مصدر وربما جاء على المعيش مثل المحيض كما قال الشاعر : @ اليك أشكوا شدة المعيش ومرّ ايام نتفن ريشي @@ اخبر الله تعالى أن تلك القرى أهلكناهم يعني أهل القرية ، ولذلك قال : ( هم ) : ولم يقل ( ها ) لأن القرية هي المسكن مثل المدينة والبلدة . والبلدة لا تستحق الهلاك ، وانما يستحق العذاب اهلها ، ولذلك قال { لما ظلموا } يعني أهل القرية الذين أهلكناهم . والاهلاك اذهاب الشيء بحيث لا يوجد ، فقيل هؤلاء أهلكوا بالعذاب . والاهلاك والاتلاف واحد ، وقولهم الضائع هالك من ذلك لانه بحيث لا يوجد . وقوله { وجعلنا لمهلكهم } أي لوقت اهلاكهم - فى من ضم الميم - أو لوقت هلاكهم - فى من فتحها - { موعداً } أي ميقاتاً وإجلاً فلما بلغوه جاءهم العذاب . والموعد الوقت الذي وعدوا فيه بالاهلاك . وقوله { وإذ قال موسى لفتاه } معناه واذكر اذ قال موسى لفتاه لما في قصته من العبرة بأنه قصد السفر فوفق الله ( عز وجل ) فى رجوعه أكثر مما قصد له ممن أحب موسى أن يتعلم منه ويستفيد من حكمته التي وهبها الله له . وقيل إن فتى موسى ( ع ) كان يوشع بن نون . وقيل ابن يوشع ، وسمي فتاه لملازمته إياه { لا أبرح } أي لا ازال كما قال الشاعر : @ وابراح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقاً مجيداً @@ أي لا ازال ، ولا يجوز أن يكون بمعنى لا أزول ، لان التقدير ، لا أزال أمشي حتى أبلغ . ومعنى ( لا يزال يفعل كذا ) أي هو دائب فيه . وقيل انه كان وعد بلقاء الخضر عند مجمع البحرين . وقوله { أو أمضي حقباً } معناه لا أبرح حتى ابلغ مجمع البحرين الى أن امضي حقباً . قال ابن عباس : والحقب الدهر . وقيل هو سنة بلغة قيس . وقيل سبعون سنة - ذكره مجاهد - وقال عبد الله بن عمر : هو ثمانون سنة . وقال قتادة : الحقب الزمان . وقال قتادة : مجمع البحرين : بحر فارس والروم . وقوله { فلما بلغا مجمع بينهما } يعني بين البحرين { نسيا حوتهما } وانما نسيه يوشع بن نون وأضافه اليهما ، كما يقال نسي القوم زادهم ، وانما نسيه بعضهم . وقيل نسي يوشع أن يحمل الحوت ، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء . وقوله { فاتخذ سبيله } يعني الحوت { في البحر سرباً } قال ابن عباس وابن زيد ومجاهد : أحيا الله الحوت ، فاتخذ طريقه في البحر مسلكَاً . وقيل ان الحوت كانت سمكة مملحة فطفرت من موضعها الى البحر ذاهبة . وقال الفراء : كان مالحاً ، فلما حيي بالماء الذي أصابه من العين ، وقع في البحر . ووجد مذهبه ، فكان كالسرب . وروي عن أبي بن كعب أن مجمع بينهما أفريقية ، وأراد الله أن يعلم موسى أنه وإن آتاه التوراة ، فانه قد آتى غيره من العلم ما ليس عنده ، فوعده بلقاء الخضر . وقوله { مجمع بينهما } يعني موسى وفتاه بلغا مجمع البحرين . وقال قتادة قيل لموسى آية لقياك إياه أن تنسى بعض متاعك ، وكان موسى وفتاه تزودا حوتاً مملوحاً حتى إذا كانا حيث شاء الله ، رد الله الى الحوت روحه فسرب فى البحر ، فذالك قوله { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } أي مذهباً يقال سرب يسرب سرباً إذا مضى لوجهه فى سفر غير بعيد ولا شاق وهي السربة فاذا كانت شاقة ، فهي ( السبأ ) ة بالهمزة . وروي ان الله تعالى بعث ماء من عين الجنة ، فاصاب ذلك الماء تلك السمكة فحييت وطفرت الى البحر ، ومضت . وروي عن ابن عباس أنه قال : لما وفد موسى الى طور سيناء ، قال رب أي عبادك أعلم ؟ قال الذي يبغي علم الناس الى علمه ، لعله يجد كلمة تهديه الى هدى أو ترده عن ردى . قال رب من هو ؟ قال الخضر تلقاه عند الصخرة التي عندها العين التي تنبع من الجنة . وقال الحسن : كان موسى سأل ربه هل أحد أعلم مني من الآدميين فأوحى الله اليه : نعم عبدي الخضر ( ع ) ، فقال موسى ( ع ) : كيف لي بلقائه ؟ فاوحى الله اليه أن يحمل حوتاً في متاعه ويمضي على وجهه حتى يبلغ مجمع البحرين ، بحر فارس والروم ، وهما المحيطان بهذا الخلق . وجعل العلم على لقائه أن يفقد حوته ، فاذا فقدت الحوت فاطلب حاجتك عند ذلك فانك تلقى الخضر عند ذلك . وقال الحسن كان الحوت طرياً . وقال ابن عباس : كان مملوحاً . قال الحسن : فمضى على وجهه هو وفتاه حتى { بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرباً } يعنى الحوت . ثم { قال لفتاه آتنا غداءنا } ففتش متاعه ففقد الحوت ، قال { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } وكانت الصخرة عند مجمع البحرين { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فاتخذ سبيله في البحر } يعني الحوت وانقطع الكلام . فقال موسى ( ع ) عند ذلك { عجباً } كيف كان ذلك . وقال لفتاه { ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً } وقال الزجاج : يحتمل أن يكون ذلك من قول صاحبه فانه أخبر بأن اتخاذ الحوت طريقاً في البحر كان عجباً .