Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 78-82)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل المدينة وابو عمرو { أن يبدلهما } - بفتح الياء وتشديد الدال - هنا - وفى التحريم { أن يبدله } وفي نون { أن يبدلنا } بالتشديد فيهن . الباقون بالتخفيف . فاما التي في سورة النور { وليبدلنهم } فخففها ابن كثير وابو بكر ويعقوب . وشدده الباقون . وقرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب { رحماً } بضم الحاء . الباقون باسكانها . وروى العبسي { ما لم تسطع } بتشديد الطاء . الباقون بتخفيفها . قال ابو علي ( بدل ، وابدل ) متقاربان مثل ( نزل ، وانزل ) إلا ان ( بدل ) ينبغي ان يكون أرجح ، لقوله تعالى { لا تبديل لكلمات الله } ولم يجئ الابدال كما جاء التبديل ، ولم يجئ الابدال في موضع من القرآن ، وقد جاء { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } فهذا قد يكون بمعنى الابدال كما ان قوله الشاعر : @ فلم يستجبه عنك ذاك مجيب @@ بمعنى فلم يجبه . وقال قوم : ابدلت الشيء من الشيء إذا ازلت الأول وجعلت الثاني مكانه . كقول ابي النجم : @ عزل الامير للأمير المبدل @@ وبدلت الشيء من الشيء إذا غيرت حاله وعينه . والاصل باق ، كقولهم بدلت قميصي جبة ، واستدلوا بقوله { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها } فالجلد الثاني هو الاول ، ولو كان غيره لم يجز عقابه . واما ( رحم ورحم ) فلغتان مثل العمر والعمر ، والرعب والرعب . وحكي لغة ثالثة - بفتح الراء واسكان الحاء - كما يقال : اطال الله عمرك وعمرك . والمعنى واقرب رحمة وعطفاً ، وقربى وقرابة قال الشاعر : @ ولم تعوج رحم من تعوجاً @@ وقال آخر : @ يا منزل الرحم على ادريس @@ حكى الله تعالى عن صاحب موسى انه قال له { هذا فراق بيني وبينك } ومعناه هذا وقت فراق اتصال ما بيني وبينك ، فكرر ( بين ) تأكيداً ، كما يقال : أخزى الله الكاذب مني ومنك أي أخزى الله الكاذب منا . وقيل في { هذا } انها اشارة الى احد شيئين : احدهما - هذا الذى قلته فراق بيني وبينك . والثاني - هذا الوقت فراق بيني وبينك . ثم قال له { سأنبئك } أي ساخبرك { بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } ولم يخفّ عليك رؤيته ، ثم بين واحداً واحداً ، فقال { أما } السبب في خرقي { السفينة } انها { كانت لمساكين } أي للفقراء الذين لا شيء لهم يكفيهم ، قد اسلمتهم قلة ذات أيديهم { يعملون في البحر } أى يعملون بها في البحر ويتعيشون بها { فأردت أن أعيبها } والسبب فى ذلك انه { كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } فقيل إن الملك كان يأخذ السفينة الصحيحة ، ولا يأخذها إذا كانت معيبة . وقد قرئ فى الشواذ { يأخذ كل سفينة صحيحة غصباً } روى ذلك عن أبي ، وابن مسعود . والوراء والخلف واحد ، وهو نقيض جهة القدام على مقابلتها . وقال قتادة : وراءهم - ها هنا - بمعنى أمامهم . ومنه قوله { من ورائهم جهنم } و { ومن ورائهم برزخ } وذلك جائز على الاتساع ، لانها جهة مقابلة لجهة ، فكأن كل واحد من الجهتين وراء الآخر قال لبيد : @ أليس ورائي ان تراخت منيتي لزوم العصا تحنو عليها الاصابع @@ وقال آخر : @ ايرجوا بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا @@ وقال الفراء : يجوز ذلك في الزمان دون الأجسام ، تقول : البرد والحر وراءنا ولا تقول : زيد وراءك . وقال الرماني وغيره : يجوز في الاجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر . وقرأ ابن عباس { وكان أمامهم ملك } وقال الزجاج { وراءهم } خلفهم ، لانه كان رجوعهم عليه . ولم يعلموا به . ثم قال { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } وقيل : إن قوله { فخشينا } من قول الخضر . وقيل : انه من قول الله تعالى ، ومعناه علمنا . وقيل : معنى خشينا كرهنا ، فبين أن الوجه فى قتله ما لأبويه من المصلحة في ثبات الدين ، لانه لو بقي حياً لأرهقهما طغياناً وكفراً أى اوقعهما فيه ، فيكون ذلك مفسدة ، فأمر الله بقتله لذلك ، كما لو أماته . وفى قراءة أبي { وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين } . ثم قال { فأردنا أن يبدلهما } يعني أن يبدل الله لأبويه خيراً من هذا الغلام { زكاة } يعنى صلاحاً وطهارة { وأقرب رحماً } أى ابرّ بوالديه من المقتول - في قول قتادة - يقال : رحمه رحمة ورحماً . وقيل : الرحم والرحم القرابة قال الشاعر : @ ولم يعوج رحم من تعوجا @@ وقال آخر : @ وكيف بظلم جارية ومنها اللين والرحم @@ وقيل معناه وأقرب أن يرحما به . ثم أخبر الخضر عن الحال الجدار الذى اقامه وأعلم انه { كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما } فقال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد : كانت صحف من علم . وقال الحسن : كان لوحاً من ذهب مكتوب فيه الحكم . وقال قتادة وعكرمة : كان كنز مال . والكنز فى اللغة هو كل مال مذخور من ذهب وفضة وغير ذلك . وقوله { وكان أبوهما صالحاً } يعني أبا اليتيمين فأراد الله { أن يبلغا أشدهما } يعني كمالهما من الاحتلام وقوة العقل { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي نعمة من ربك . ثم قال صاحب موسى : وما فعلت ذلك من قبل نفسي وأمري بل بأمر الله فعلت . ثم قال { ذلك } الذي قلته لك { تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } وثقل عليك مشاهدته واستبشعته . وفى الآية دلالة على وجوب اللطف ، لان مفهومه أنه تدبير من الله فى عباده لم يكن يجوز خلافه ، وقد عظم الله شأنه بما يفهم منه هذا المعنى . وقال الجبائي : لا يجوز أن يكون صاحب موسى الخضر ، لأن خضراً كان من الانبياء الذين بعثهم الله من بني اسرائيل بعد موسى . قال : ولا يجوز ايضاً أن يبقى الخضر الى وقتنا هذا ، كما يقوله من لا يدري ، لانه لا نبي بعد نبينا ، ولانه لو كان لعرفه الناس ، ولم يخف مكانه . وهذا الذي ذكره ليس بصحيح ، لأنا لا نعلم أولا أن خضراً كان نبياً ، ولو ثبت ذلك لم يمتنع أن يبقى الى وقتنا هذا ، لأن تبقيته في مقدرر الله تعالى ، ولا يؤدي الى انه نبي بعد نبينا ، لأن نبوته كانت ثابتة قبل نبينا . وشرعه - إن كان شرعاً خاصاً - انه منسوخ بشرع نبينا . وإن كان يدعو الى شرع موسى أو من تقدم من الانبياء ، فان جميعه منسوخ بشرع نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) فلا يؤدي ذلك الى ما قال . وقوله : لو كان باقياً لرؤي ولعرف غير صحيح ، لانه لا يمتنع أن يكون بحيث لا يتعرف الى احد ، فهم وإن شاهدوه لايعرفونه . وفى الناس من قال : إن موسى الذي صحب الخضر ليس هو موسى بن عمران وانما هو موسى بن ميشا ، رجل من بني اسرائيل . والله اعلم بذلك . وروي عن جعفر بن محمد ( ع ) في قوله تعالى { وكان تحته كنز لهما } قال : سطران ونصف ولم يتم الثالث ، وهي ( عجباً للموقن بالرزق كيف يتعب وعجباً للموقن بالحساب كيف يغفل وعجباً للموقن بالموت كيف يفرح ) وفى بعض الروايات زيادة على ذلك ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) وذكر أنهما حفظا ، لصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح . وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة أباء ، وكان سياحاً . واستشهد على أن الخشية بمعنى العلم بقوله تعالى { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } وقوله { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً } أي علمت . واستشهد على أنه بمعنى الكراهية بقول الشاعر : @ يا فقعسي لم اكلته لمه لو خافك الله عليه حرمه @@ قال قطرب يريد لو كره أن تأكله لحرمه عليك .