Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو ونافع فى رواية ورش وقالون عنه { ليهب لك } بالياء { ربك غلاماً } الباقون { لأهب } بالهمزة على الحكاية ، وتقديره قال ربك لاهب لك . وقال الحسن : معناه لاهب لك باذن الله { غلاماً زكياً } اى صار بالبشارة كأنه وهب لها . وضعف ابو عبيدة قراءة أبي عمرو ، لانها خلاف المصحف . قال ابن خالويه : حجة ابي عمرو أن حروف المد واللين وذوات الهمز يحول بعضها الى بعض ، كما قرئ ( ليلا ) بالياء - والاصل الهمزة : ( لئلا ) قال ابو عليّ النحوي : من قرأ - بالياء - يجوز أن يكون أراد الهمزة ، وانما قلبها ياء على مذهب ابي الحسن أو جعلها بين بين قول الخليل . وفى قراءة أبي وابن مسعود ( ليهب ) بالياء ، وهو الاجود ، ومعنى " زكيا " نامياً على الخير والبركة يقول الله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { واذكر في الكتاب مريم } والذكر إدراك النفس للمعنى بحضوره فى القلب ، والاذكار احضار النفس للمعنى ، وقد يكون الذكر قولا يحضر المعنى للنفس ، والمراد بالكتاب - ها هنا - القرآن وإنما سمي كتاباً ، لانه مما يكتب . وقوله { إذ انتبذت من أهلها } فالانتباذ اتخاذ الشيء بالقاء غيره عنه ، والاصل الالقاء من قولهم : نبذه وراء ظهره أي القاه ، وفي هذا الطعام نبذ من شعير اي مقدار كف منه ، والنبذ الطرح . وقال قتادة : معنى انتبذت انفردت . وقيل : معناه اتخذت مكاناً تنفرد فيه بالعبادة . وقيل معناه تباعدت . وقوله { مكاناً شرقياً } يعني الموضع الذي فى جهة الشرق ، قال جرير : @ هبت جنوباً فذكرى ما ذكرت لكم عند الصفاة التي شرقيّ حورانا @@ وقال السدي : معنى { فاتخذت من دونهم حجاباً } أي حجاباً من الجدران . قال ابن عباس : انما جعلت النصارى قبلتهم الى المشرق ، لان مريم اتخذت من جهة المشرق موضع صلاتها . وقال ابن عباس : معنى { من دونهم حجاباً } أي من الشمس جعله الله لها ساتراً . وقوله { فأرسلنا إليها روحنا } قال الحسن وقتادة والضحاك والسدي ، وابن جريج ، ووهب بن منية : يعني جبرائيل ( ع ) وسماه الله ( روحاً ) لانه روحاني لا يشبه شيئاً من غير الروح . وخص بهذه الصفة تشريفاً له . وقيل لأنه تحيا به الأرواح بما يؤديه اليهم من أمر الاديان والشرائع . وقوله { فتمثل لها بشراً سوياً } أي تمثل لها جبرائيل في صورة البشر " سوياً " أى معتدلا ، فلما رأته مريم ، { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } تخاف عقوبة الله . فان قيل كيف تعوذت منه إن كان تقياً ؟ والتقي لا يحتاج أن تتعوذ منه ، وانما يتعوذ من غير التقي ! ! قيل المعنى فى ذلك إن التقي للرحمن إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله ، ففي ذلك تخويف وترهيب ، كما يقول القائل : إن كنت مؤمناً ، فلا تظلمنى ، وتكون هي غير عالمة بأنه تقي أم لا ، فلما سمع جبرائيل منها هذا القول ، قال لها : { إنما أنا رسول ربك } ارسلني الله لابشرك بأنه يهب { لك غلاماً } ذكراً { زكياً } طاهراً من الذنوب . وقيل : نامياً فى أفعال الخير . فقالت مريم عند ذلك متعجبة من هذا القول : { أنى يكون لي غلام } أي كيف يكون ذلك { ولم يمسسني بشر } بالجماع على وجه الزوجية { ولم أك بغياً } أي لم أكن زانية - فى قول السدى وغيره - . و ( البغي ) التي تطلب الزنا ، لأن معنى تبغيه تطلبه ، و { لم أك } اصلها لم اكن لانه من ( كان ، يكون ) وإنما حذفت النون ، لاستخفافها على ألسنتهم ، ولكثرة استعمالهم لها ، كما حذفوا الالف فى { لم أبل } واصله ( لم أبالي ) لأنه من المبالاة وكقولهم : ( لا أدر ) وقولهم : ( أيش ) واصله أى شيء ، ومثله : لا أب لشانئك واصله لا أبا لشانئك ، ومثله كثير .