Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 21-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة وحفص عن عاصم { نسياً } بفتح النون . الباقون بكسرها ، وهما لغتان . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص { من تحتها } على أن ( من ) حرف جر . الباقون { من تحتها } يعني الذي تحتها قال ابو عليّ النحوي : ليس المراد بقوله { من تحتها } الجهة السفلى ، وانما المراد من دونها ، بدلالة قوله { قد جعل ربك تحتك سرياً } ولم يكن النهر محاذياً لهذه الجهة ، وإنما المعنى جعل دونك . وقرأ " تساقط " - بالتاء وضمها ، وكسر القاف مخففه السين - حفص عن عاصم . وقرأ حمزة " تساقط " بفتح التاء وتخفيف السين . الباقون ، وهم ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر والكسائي وابو بكر عن عاصم ، بفتح التاء وتشديد السين وفتح القاف . وقرأ يعقوب والعليمي ونصير - بياء مفتوحة ، وتشديد السين وفتح القاف - وكلهم جزم الطاء . حكى الله تعالى ما قال لها جبرائيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة { قال كذلك } يعني الله تعالى قال ذلك { قال ربك هوعلي هين } أي سهل متأت لا يشق علي ذلك { ولنجعله آية للناس } أي نجعل خلقه من غير ذكر آية باهرة ، وعلامة ظاهرة للناس { ورحمة منا } أي ونجعله نعمة من عندنا { وكان أمراً مقضياً } أي وكان خلق عيسى من غير ذكر أمراً قضاه الله وقدره وحتم كونه أي هو المحكوم بأنه يكون ، وما قضاه الله بأنه كائن ، فلا بد من كونه . وقوله { فحملته } يعني حملت عيسى فى بطنها ، والحمل رفع الشيء من كانه ، وقد يكون رفع الانسان في مجلسه ، فيخرج عن حد الحمل . ويقال له ( حمل ) بكسر الحاء لما يكون على الظهر ، وبالفتح لما يكون في البطن { فانتبذت به مكاناً قصياً } أي انفردت به مكاناً بعيداً ، ومعناه قاصياً ، وهو خلاف الداني . قال الزاجز : @ لتقعدن مقعد القصي مني كذي القاذورة المقلي @@ يقال قصا المكان يقصوه قصواً إذا تباعد ، واقصيت الشيء إذا أبعدته ، واخرته اقصاء . وقوله { فأجاءها المخاض } أي جاء بها المخاض وهو مما يعدى تارة بالباء وأخرى بالالف . مثل ذهبت به وأذهبته وآتيتك بعمرو وآتيتك عمراً . وخرجت به وأخرجته قال زهير : @ وجار سار معتمداً اليكم أجاءته المخافة والرجاء @@ أي جاءت به . قال الكسائي تميم تقول : ما أجاءك الى هذا وما أشاء بك اليه . أي صيرك تشاء . ومن أمثالهم ( شر أجاءك الى مخة عرقوب ) وتميم تقول : شر أشاءك الى مخة عرقوب . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : معنى { فأجاءها } الجأها . وقال السدي : إنها قالت في حال الطلق { يا ليتني مت قبل هذا } استحياء من الناس { وكنت نسياً منسياً } فالنسي الشيء المتروك حتى ينسى - بالفتح والكسر - مثل الوتر والوتر . وقيل النسي - بالفتح - المصدر ، يقال : نسيت الشيء نسياً ونسياناً - وبالكسر - الاسم إذا كان لقي لا يؤبه به ، وقيل النسي خرقة الحيض التي تلقيها المرأة ، قال الشاعر : @ كأن لها في الارض نسياً تقصه إذا ما غدت وإن تكالمك تبلت @@ أي نسياً تركته ، ومعنى ( تبلت ) أي تقطع كلامها رويداً رويداً وتقف وتصدق . وقوله { فناداها من تحتها } قال ابن عباس والسدي والضحاك وقتادة : المنادي كان جبرائيل ( ع ) . وقال مجاهد والحسن ووهب بن منية ، وسعيد بن جبير وابن زيد والجبائي : كان المنادي لها عيسى ( ع ) . وقوله { ألا تحزني } أي لا تغتمي { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : السري هو النهر الصغير . وقال قوم : هو النهر بالسريانية . وقال آخرون : هو بالنبطية . وقال ابراهيم والضحاك وقتادة : هو النهر الصغير بالعربية ، مثل قول ابن عباس ، وقال البراء بن عازب : هو الجدول . وقال الحسن وابن زيد : السري عيسى ( ع ) . وقيل للنهر ( سري ) لأنه يسري بجريانه كما قيل جدول لشدة جريه . قال لبيد : @ فتوسطا عرض السريّ فصدعا مسجورة متجاوز أقدامها @@ وقال آخر : @ سلم ترى الدالي منه ازورا إذا يعج في السريّ هرهرا @@ وقوله { وهزي إليك بجذغ النخلة } معناه هزى النخلة اليك ، ودخلت الباء تأكيداً ، كما قال تعالى { تنبت بالدهن } قال الشاعر : @ نضرب بالبيض ونرجوا بالفرج @@ أى نرجو الفرج ، وقال آخر : @ بواد يمان ينبت السدر صدره وأسفله بالمرخ والشبهان @@ وفى رواية ينبت الشث حوله . وقوله { تساقط عليك } من شدد ، أراد تتساقط فادغم احد التاءين فى السين ، ومن خفف حذف احد التاءين . ومن قرأ - بالياء - أسند الفعل الى الجذع . ومن قرأ - بالتاء - اسنده الى النخلة . ومن قرأ تساقط أراد من المساقطة . وقرأ ابو حيويه { تسقط عليك } . وروي عنه ( يسقط ) وهو شاذ والمعاني متقاربة . وقال ابو علي : من قرأ { تساقط } عدى ( فاعل ) كما عدى ( يتفاعل ) وهو مطاوع ( فاعل ) قال الشاعر : @ تطالعنا خيالات لسلمى كما يتطالع الدين الغريم @@ وانشد ابو عبيدة : @ تخاطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم أعجل @@ قال فى موضع ( اخطأت ) كقوله { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } ومعنى الآية يتواقع عليك رطباً جنياً . والجني المجني ( فعيل ) بمنى ( مفعول ) وهو المأخوذ من الثمرة الطرية ، اجتناه اجتنا . إذا اقتطعه ، قال ابن اخت جذيمة : @ هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده الى فيه @@ وفي نصب { رطباً } قولان : احدهما - قال المبرد : هو مفعول به ، وتقديره هزي بجذع النخلة رطباً تساقط عليك . وقال غيره : هو نصب على التمييز والعامل فيه تساقط . وقال ابو علي : يجوز أن يكون نصباً على الحال ، وتقديره تساقط عليك ثمر النخلة رطبا ، فحذف المضاف الذي هو الثمرة ، ونصب رطباً على الحال . وقيل : لم يكن للنخلة رأس وكان في الشتاء ، فجعله الله تعالى آية ، وانما تمنت الموت قبل تلك الحال التي قد علمت انها من قضاء الله لكراهتها أن يعصى الله بسببها إذا كان الناس يتسرعون الى القول فيها بما يسخط الله . وقال قوم : انها قالت ذلك بطبع البشرية خوف الفضيحة . وقال قوم : المعنى فى ذلك اني لو خيرت قبل ذلك بين الفضيحة بالحمل والموت لاخترت الموت . واختلفوا فى مدة حمل عيسى ، فقال قوم : كان حمله ساعة ووضعت فى الحال . وقال آخرون : حملت به ثمانية أشهر ولم يعش مولود لثمانية أشهر غيره ( ع ) ، فكان ذلك آية له . وفي بعض الروايات أنه ولد لستة أشهر . وقوله { فأجاءها المخاض } يدل على طول مكث الحمل ، فاما مقداره فلا دليل يقطع به .