Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 26-30)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما قال جبرائيل لمريم { هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً } قال لها بعد ذلك { فكلي } من ذلك الرطب { واشربي } من السري { وقري عيناً } ونصبه على التمييز كقوله { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } وقيل فى معنا { قري عيناً } قولان : احدهما - لتبرد عينك برد سرور بما ترى . الثاني - لتسكن سكون سرور برؤيتها ما تحب ، يقال قررت به عيناً أقر قروراً وهي لغة قريش . وأهل نجد يقولون : قررت به عيناً - بفتح العين - اقر قراراً ، كما يقولون قررت بالمكان - بالفتح . وقوله { فأما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } قال الجبائي : كان الله تعالى أمرها بأن تنذر الله تعالى الصمت ، فاذا كلمها احد تومي بأنها نذرت صوماً صمتاً ، لانه لا يجوز ان يأمرها بان تخبر بانها نذرت ولم تنذر ، لأن ذلك كذب . وقال انس بن مالك وابن عباس والضحاك : تريد بالصوم الصمت . وقال قتادة : يعني صمتاً عن الطعام والشراب والكلام أي إمساكاً . وانما أمرها بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها - في قول ابن مسعود وابن زيد ووهب ابن منية وقيل : من كان صام في ذلك الوقت لا يكلم الناس ، فاذن لها فى هذا المقدار من الكلام ، في قول السدي . فان قيل كيف تكون نذرت الصمت وألا تكلم أحداً مع قولها واخبارها عن نفسها بانها نذرت وهل ذلك إلا تناقض ؟ قيل من قال : انه أذن لها فى هذا القدر فحسب ، يقول : انها نذرت لا تكلم بما زاد عليه . ومن قال : انها نذرت نذراً عاماً ، قال : أومت بذلك ولم تتلفظ به . وقيل : أمرها الله أن تشير اليهم بهذا المعنى ، وانها ولدته بناحية بيت المقدس ، وفى موضع يعرف بـ ( بيت لحم ) . ثم اخبر الله تعالى عن حال مريم أنها اتت بعيسى الى قومها تحمله ، فلما رأوها قالوا لها { لقد جئت شيئاً فرياً } أي عملا عجيباً قال الراجز : @ قد اطعمتني دقلا حوليا مسوساً مدوداً حجريا قد كنت تفرين به الفريا @@ قال قتادة ومجاهد والسدي : معنى الفري العظيم من الأمر . وقيل الفري القبيح من الافتراء ، فقال لها قومها { يا أخت هارون } وقيل فى هارون الذي نسبت اليه بالاخوة أربعة أقوال : فقال قتادة : وكعب وابن زيد والمغيرة بن شعبة يرفعه الى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : انه كان رجلا صالحاً فى بني اسرائيل ينسب اليه من عرف بالصلاح . وقال السدي : نسبت الى هارون أخي موسى ( ع ) لأنها كانت من ولده كما يقال يا أخا بني فلان . وقال قوم : كان رجلا فاسقاً معلناً بالفسق ، فنسبت اليه . وقال الضحاك : كان أخاها لابيها وأمها ، وكان بنو إسرائيل يسمون أولادهم باسماء الأنبياء كثيراً . وقوله { ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً } اي لم يكن أبواك إلا صالحين ، ولم يكونا فاجرين ، فكيف خالفتيهما { فأشارت إليه } اي أومأت عند ذلك مريم الى عيسى ( ع ) أن كلموه ، واستشهدوه على براءة ساحتي { فقالوا } في جوابها { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } قال قوم : دخلت ( كان ) ها هنا زائدة ونصب { صبياً } على الحال . وانشد أبو عبيدة في زيادة ( كان ) : @ الى كناس كان مستعدة @@ وقال آخر : @ فكيف إذا رأيت ديار قومي وجيران لنا كانوا كرام @@ والمعنى وديار جيران كرام و ( كانوا ) فضلة ، فلذلك لم تعمل . وقيل معنى ( كان ) صار وانشد لزهير : @ اجزت اليه حرة أرجية وقد كان لون الليل مثل الارندج @@ اي قد صار . وقال المبرد : معنى ( كان ) حدث . وقال الزجاج : معناه على الشرط ، وتقديره من كان في المهد صبياً كيف نكلمه على التقديم والتأخير . وقال قتادة : المهد حجر أمه ، واصله ما وطئ للصبي . وقيل : انهم غضبوا عند اشارتها الى ذلك وقالوا : لسخريتها بنا أشد علينا من زناها ، فلما تكلم عيسى ، قالوا : إن هذا الامر عظيم - ذكره السدي - فقال عيسى ( ع ) عند ذلك { إني عبد الله آتاني الكتاب } قال عكرمة : معناه فيما مضى { وجعلني نبياً } لان الله أكمل عقله وأرسله الى عباده ولذلك كانت له تلك المعجزة - في قول الحسن وابي علي الجبائي - وقال قوم : معناه { إني عبد الله } سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبياً فيما بعد ، وكان ذلك معجزة لمريم على براءة ساحتها على قول من أجاز اظهار المعجزات على يد غير الانبياء من الصالحين . وقال ابن الاخشاذ : كان ذلك إنذاراً لنبوته . وقال الجبائي معنى { وجعلني نبياً } أي وجعلني رفيعاً لان النبي هو الرفيع .