Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 56-60)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { اذكر في الكتاب } الذي هو القرآن { إدريس } واخبر انه كان كثير التصديق بالحق ، وكان { نبياً } معظماً مبجلا مؤيداً بالمعجزات الباهرة . ثم أخبر تعالى أنه رفعه مكاناً علياً . قال انس بن مالك : رفعه الله الى السماء الرابعة . وروى ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبه قال كعب ومجاهد : وابو سعيد الخدري . وقال ابن عباس والضحاك : رفعه الله الى السماء السادسة . واصل الرفع جعل الشيء في جهة العلو ، وهي نقيض السفل ، يقال : رفعه يرفعه رفعاً ، فهو رافع وذاك مرفوع . والعلي العظيم العلوّ والعالي العظيم فيما يقدر به على الأمور ، فلذلك وصف تعالى بأنه علي . والفرق بين العليّ والرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وعلو المكان . و ( الرفيع ) من رفع المكان لا غير . ولذلك لا يوصف تعالى بأنه رفيع . وقوله { رفيع الدرجات } انما وصف الدرجات بأنها رفعية . وانما أخذ من علو معنى الصفة بالاقتدار ، لأنها بمنزلة العالي المكان . ثم اخبر تعالى عن الانبياء الذين تقدم وصفهم فقال { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } فان حملنا ( من ) على التبعيض لم تدل على أن من عداهم لم ينعم عليهم ، بل لا يمتنع أن يكون انما افردهم بأنه انعم عليهم نعمة مخصوصة عظيمة رفعية ، وإن كان غيرهم ايضاً قد أنعم عليهم بنعمة دونها . وإن حملنا ( من ) على انها لتبيين الصفة لم يكن فيه شبهة ، لأن معنى الآية يكون اولئك الذين أنعم الله عليهم من جملة النبيين . وقوله { من ذرية آدم } [ لان الله تعالى بعث رسلا ليسوا من ذرية آدم بل هم من الملائكة كما قال { يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس } وقوله { وممن حملنا } فى السفينة { مع نوح } أي ابوهم نوح وهو من ذرية آدم كما قال ] { ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } يعنى يعقوب { وممن هدينا } هم الى الطاعات فاهتدوا اليها واجتبيناهم اي اخترناهم واصطفيناهم { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن } اي أعلامه وادلته { خروا سجداً وبكياً } أي سجدوا له تعالى وبكوا ، وبكى جمع باك ونصبهما على الحال ، وتقديره : خروا ساجدين باكين . وبكي ( فعول ) ويجوز ان يكون جمع باك على ( فعول ) . ويجوز ان يكون مصدراً بمعنى البكاء . قال الزجاج : لا يجوز النصب على المصدر ، لانه عطف على قوله { سجداً } . وانما فرق ذكر نسبهم ، وكلهم لآدم ، ليبين مراتبهم فى شرف النسب ، فكان لادريس شرف القرب من آدم ، لأنه جدّ نوح . وكان ابراهيم من ذرية من حمل مع نوح ، لأنه من ولد سام بن نوح . وكان اسماعيل واسحاق ويعقوب من ذرية ابراهيم ، لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف ابراهيم ، وكان موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل ، لأن مريم من ذريته . وقيل انما وصف الله صفة هؤلاء الانبياء ليقتد بهم ويتبع اثارهم فى اعمال الخير ثم اخبر تعالى انه خلف من بعد المذكورين خلف . والخلف - بفتح اللام - يستعمل في الصالحين ، وبتسكين اللام في الطالح قال لبيد : @ ذهب الذين يعاش فى اكنافهم وبقيت فى خلف كجلد الاجرب @@ وقال الفراء والزجاج : يستعمل كل واحد منهما في الآخر . وفى الآية دلالة على أن المراد بالخلف من لم يكن صالحاً ، لانه قال { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } وقال القرطي : تركوها . وقال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز : أخروها عن مواقيتها . وهو الذي رواه أصحابنا . وقال قوم خلف - بفتح اللام - إذا خلف من كان من أهله - وبسكون اللام - إذا كان من غير أهله . ثم قال تعالى { فسوف يلقون غياً } والغي الشر والخيبة - في قول ابن عباس وابن زيد - قال الشاعر : @ فمن يلق خيراً يحمد الناس امره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما @@ اي من يخب . وقال عبد الله بن مسعود : الغي واد في جهنم . وقيل معناه يلقون مجازاة غيهم . ثم استثنى من جملتهم من يتوب فيما بعد ويرجع الى الله ويؤمن به ويصدق أنبياءه ، ويعمل الاعمال الصالحة من الواجبات والمندوبات ، ويترك القبائح فان { أولئك يدخلون الجنة } من ضم الياء أراد أن الله يدخلهم الجنة بأن يأمرهم بدخولها ، فضم لقوله { ولا يظلمون } ليتطابق اللفظان . ومن فتح الياء أراد أنهم يدخلون بأمر الله . والمعنيان واحد . وقوله { ولا يظلمون شيئاً } معناه لا يبخسون شيئاً من ثوابهم بل يوفر عليهم على التمام والوفاء .