Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 71-75)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ نافع وابن عامر " وريا " بغير همز . الباقون بهمز ، من همز فمعناه المنظر الحسن ( فعيل ) من الرؤية ، ومن لم يهمز احتمل أن يكون خفف الهمزة كما قالوا في البريئة برية ويحتمل أن يكون مأخوذاً من الري ، وهو امتلاء الشباب والنظارة ، أي ترى الري فى وجوههم . وقرأ سعيد بن جبير " وريا " جعله من الري وقرئ بالزاي ، ومعناه ما يتزيا به . وقرأ ابن كثير " مقاماً " - بضم الميم - الباقون بفحتها . فالمقام - بضم الميم - مصدر الاقامة . وبفتحها المكان ، كقوله { مقام إبراهيم } وقرأ يعقوب الحضرمي وعاصم والجحدري وابن أبي ليلى وابن عباس { ثم ننجي } بفتح الثاء بمعنى هناك ننجي المتقين . والباقون { ثم } بضم التاء حرف عطف . يقول الله تعالى للمكلفين انه ليس منكم أحد إلا وهو يرد جهنم ، فان الكناية في قوله { إلا واردها } راجعة الى جهنم بلا خلاف ، إلا قول مجاهد ، فانه قال : هي كناية عن الحمى والامراض . وروى في ذلك خبراً عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ابي هريره . وقال قوم : هو كناية عن القيامة . واقوى الاقوال الأول ، لقوله تعالى { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } يعني في جهنم . واختلفوا في كيفية ورودهم اليها ، فقال قوم - وهو الصحيح - : إن ورودهم هو وصولهم اليها واشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها ، لأن الورود فى اللغة هو الوصول الى المكان . واصله ورود الماء ، وهو خلاف الصدور عنه . ويقال : ورد الخبر بكذا ، تشبيها بذلك . ويدل على أن الورود هو الوصول الى الشيء من غير دخول فيه قوله تعالى { ولما ورد ماء مدين } وأراد وصل اليه . وقال زهير : @ فلما وردن الماء زرقاً جمامه وضعن عصيّ الحاضر المتخيم @@ وقال قتادة وعبد الله بن مسعود : ورودهم اليها ، هو ممرهم عليها . وقال عكرمة يردها الكافر دون المؤمن ، فخص الآية بالكافرين . وقال قوم شذاذ : ورودهم إليها : دخولهم فيها ولو تحلة القسم . روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه : اللهم أزحني من النار سالماً وادخلني الجنة غانماً . وهذا الوجه بعيد ، لان الله قال { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار ، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها . وذلك متناقض ، فاذاً المعني بورودهم أشرافهم عليها ، ووصولهم اليها . وقوله { كان على ربك حتماً مقضياً } معناه إن ورودهم الى جهنم على ما فسرناه حتم من الله وقضاء قضاه لا بد من كونه . والحتم القطع بالأمر ، وذلك حتم من الله قاطع . والحتم والجزم والقطع بالامر معناه واحد . والمقضي الذي قضى بأنه يكون . ثم قال تعالى { ثم ننجي الذين اتقوا } معاصي الله وفعلوا طاعاته من دخول النار { ونذر الظالمين } أي ندعهم فيها ونقرهم على حالهم { جثياً } باركين على ركبهم { في جهنم } . ثم قال { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } اي إذا قرئت على المشركين أدلة الله الظاهرة وحججه الواضحة { قال الذين كفروا } بوحدانيته وجحدوا أنبياءه للذين صدقوا بذلك مستفهمين لهم وغرضهم الانكار عليهم { أي الفرقين خير مقاماً } أي منزل اقامة فى الجنة او في النار { وأحسن ندياً } اي مجلساً وقيل معناه اوسع مجلسا واحسن نديا ، فالندي المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله ، يقال : ندوت القوم اندوهم ندواً إذا جمعتهم في مجلس . وفلان فى ندى قومه وناديهم بمعنى واحد واصله مجلس الندى وهو الكرم ، وقال حاتم : @ ودعوت فى اولى النديّ ولم ينظر اليّ بأعين خزر @@ والمراد بالفريقين فريق المشركين وفريق المؤمنين ، فيفتخرون على المؤمنين بكثرة نعمهم وحسن احوالهم وحال مجلسهم ، فقال الله تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً } والاثاث المتاع والرئي المنظر ، وهو قول ابن عباس . وقال ابن الاحمر : واحد الاثاث اثاثة كحمام وحمامة . وقال الفراء : لا واحد له ، ويجمع اثة وأثث . ويجوز في { رئيا } ثلاثة اوجه في العربية : رئيا بالهمز قبل الياء ، وريئا بياء قبل الهمزة وهو على قولهم راءني علي وزن راعني ، وريا بترك الهمزة - فى قول الزجاج - ويجوز أن يكون من الزاي انشد لابن دريد : @ اهاجتك الضغائن يوم بانوا بذي الزي الجميل من الاثاث @@ ثم قال تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) { قل } يا محمد { من كان في الضلالة } عن الحق والعدول عن اتباعه { فليمدد له الرحمن مداً } أي يمدهم ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة ، كما قال { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } وانما ذكر بلفظ الامر ليكون آكد كأنه ألزم نفسه إلزاماً كما يقول القائل : آمر نفسي ، ويقول من زارني فلأكرمه ، فيكون الزم من قوله اكرمه . ويجوز أن يكون أراد { فليمدد له الرحمن مداً } فى عذابهم فى النار ، كما قال { ونمد له من العذاب مدّاً } وقوله { حتى إذا رأوا ما يوعدون } أي شاهدوا ما وعدهم الله به { إما العذاب } والعقوبة على المعاصي " وإما " القيامة والمجازاة لكل أحد على ما يستحقه { فسيعلمون } حينئذ ويتحققون { من هو شر مكاناً وأضعف جنداً } آلكفار أم المؤمنين . وفى ذلك غاية التهديد فى كونهم على ما هم عليه . وقيل العذاب - ها هنا - المراد به ما وعد المؤمنون به من نصرهم على الكفار فيعذبونهم قتلا واسراً ، فسيعلمون بالنصر والقتل انهم أضعف جنداً من جند النبي والمسلمين ، ويعلمون بمكانهم من جهنم ومكان المؤمنين من الجنة ، من هو شر مكاناً .