Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 117-117)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ ابن عامر " فيكون " نصباً . الباقون بالرفع . اللغة : بديع بمعنى مبدع . مثل أليم بمعنى مؤلم ، وسميع بمعنى مسمع . وبينهما فرق لأن في بديع مبالغة ليس في مبدع ، ويستحق الوصف في غير حال الفعل على الحقيقة . بمعنى ان من شأنه الانشاء ، لأنه قادر عليه ، ففيه معنى مبدع . وقال السدي : تقول ابتدعها ، فخلقها ولم يخلق قبلها شيئاً تتمثل به . والابداع ، والاختراع ، والانشاء نظائر . وضد الابتداع الاحتذاء على مثال . يقال : أبدع إبداعا وابتدع ابتداعا ، وبدع تبديعاً . وقال ابن دريد : بدعت الشيء : اذا انشأته : والله { بديع السماوات والأرض } أي منشئهما . وبدعت الركي ، اذا استنبطتها ، وركي بديع : أي جديد الحضر . ولست ببدع في كذا . أي لست بأول من أصابه هذا . ومنه قوله : { ما كنت بدعاً من الرسل } وكل من احدث شيئا ، فقد ابدعه . والاسم : البدعة وأبدع بالرجل : اذا كلت راحلته ، وانقطع به . وقوله : { ما كنت بدعاً من الرسل } أي ما كنت بأول مرسل . والبدعة : ما ابتدع من الدين ، وغيره ، وجمعها بدع . وفي الحديث : كل بدعة ضلالة . وتقول جئت بأمر بديع ، أي مبتدع عجيب وأبدعت الابل : اذا تركت في الطريق من الهزل . وأصل الباب : الانشاء . المعنى : وقوله : { وإذا قضى أمراً } يحتمل أمرين : أحدهما اذا خلق امراً . كما قال { فقضاهن سبع سماوات في يومين } أي خلقهن وهو اختيار البلخى ، والرماني ، والجبائي . والثاني : حتم بان يفعل أمراً وحكم . وقيل احكم امراً ، كما قال ابو ذؤيب : @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع @@ اللغة : قضاهما : احكمهما ، والقضاء والحكم نظائر . يقال : قضى يقضي قضاء ، واقتضى اقتضاء ، وتقاضيا تقاضياً ، واستقضى استقضاء ، وتقضّ تقضياً وقضّ تقضية ، وقاضاه مقاضاة ، وانقضى انقضاء . قال صاحب العين : قضى يقضي قضاء ، وقضية : يعني حكم . وتقول : قضى اليه عهداً معناه اوصى اليه . ومنه قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } { قضى عليها الموت } أي اتى عليه . والانقضاء فناء الشيء ، وذهابه . وكذلك التقضي . وأصل الباب : القضاء . والفصل والقضاء ينصرف على وجوه : منها الامر كقوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر . ومنه الخلق كقوله : { قضاهن سبع سماوات } أي خلقهن . ومنه الاخبار ، والاعلام ، كقوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } أي اخبرناهم ومنه الفصل : قضى القاضي بين الخصمين أي فصل الامر بينهما . المعنى : ومعنى قوله : { فإنما يقول له كن فيكون } قيل فيه قولان : أحدهما انه بمنزلة المثل ومعناه ان منزلة الفعل له في السهولة ، وانتفاء التعذر كمنزلة ما يقال له كن فيكون كما يقال قال فلان برأسه كذا وقال بيده : اذا حرك رأسه وأومى بيده ، ولم يقل شيئاً في الحقيقة وقال ابو النجم : @ اذ قالت الانساع للبطن الحقى قدماً فآضت كالفنيق المحنق @@ وقال عمرو بن حممة الدوسي : @ فاصبحت مثل النسر طارت فراخه اذا رام تطياراً يقال له : قع @@ وقال آخر : @ امتلأ الحوض وقال قطنى مهلا رويداً قد ملأت بطني @@ وقال آخر : @ فقالت له العينان سمعاً وطاعة وحدّرتا كالدر لما يثقب @@ وقال العجاج : يصف ثوراً : @ وفيه كالاعواض للعكور فكرّ ثم قال في التفكير ان الحياة اليوم في الكرور @@ والوجه الآخر أنه علامة جعلها الله للملائكة اذا سمعوها ، علموا انه احدث امراً . وكلاهما حسن والاول أحسن وأشبه في كلام العرب في عادة الفصحاء . ونظيره قوله تعالى : { فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } وهو الذي اختاره البلخي ، والرماني ، واكثر المفسرين . وقد قيل في ذلك اقوال فاسدة ، لا يجوز التعويل عليها : ان الامر خاص في الموجودين الذين قيل لهم { كونوا قردة خاسئين } ومن جرى مجراهم ، لانه لا يؤمر المعدوم عندهم . ومنها انه أمر للمعدوم من حيث هو لله معلوم ، فصح أن يؤمر فيكون . ومنها ان الآية خاصة في الموجودات من اماتة الاحياء واحياء الموتى وما جرى مجرى ذلك من الامور . وانما قلنا بافساد هذه الاقوال ، لانه لا يحسن ان يؤمر إلا من كان عاقلا مميزاً يقدر على ما أمر به ، ويتمكن من فعله . وجميع ما ذكروه بخلافه . لأن المعدوم ليس بحي ، ولا عاقل . ولا يصح امره . ومن كان موجوداً لا يجوز ان يؤمر أن يكون قردة ، لان المعاني التي تكون بها كذلك ، ليس في مقدوره . كذلك القول في الاماتة والاحياء وتأويل قوله : { كونوا قردة خاسئين } قد بيناه فيما مضى . فقال بعضهم : إنه أمر للموجود في حال كونه لا قبله ولا بعده ، وانه مثل قوله : { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } وان دعاء الله إياهم لا يتقدم خروج القوم من قبورهم ، ولا يتأخر عنه . وهذا فاسد لأن من شرط حسن الامر أن يتقدم المأمور به . وكذلك القول في الدعاء ، فلا يسلم ما قالوه . وتأويل ما استشهدوا به على ما بيناه في الآية سواء في انه اخبار عن تسهيل الفعل وسرعة وقوعه ، وارادته ، لا ان يكون هناك دعاء على الحقيقة ، ثم يلزم على جميع ما ذكروه ان تكون الاشياء مطيعة لله تعالى لان الطاعة هي مانعة الامر من الاشياء التي قالها : كوني بأن فعلت نفسها ، ويلزم ان يكون لها عقل وتمييز وكل ذلك فاسد . فاما من استدل بهذه الآية ونظائرها على ان كلام الله قديم من حيث انه لو كان محدثا لاقتضى ألا يحصل إلا ( بكن ) . والكلام في ( كن ) كالكلام فيه إلى أن ينتهي إلى ( كن ) قديمة . وهو كلام الله القديم . فهذا باطل لانا قد بيّنا معنى الآية ، فلا يصح ما قالوه . على ان الآية تقتضى حدوث كلامه من حيث أخبر ان المكونات تكون عقيب ( كن ) لأن الفاء توجب التعقيب ، فاذا كانت الاشياء محدثة ، فما يتقدمها بوقت واحد لا يكون إلا محدثاً فبطل ما قالوه . وأيضاً فانه قال : { وإذا قضى أمراً } ومعناه خلق فبين انه يخلق الامر وقوله : " كن " أمر يوجب أن يكون مُحْدثاً . ودلت الآية على نفي الولد عن الله من وجهين . أحدهما إن الذي ابتدع السماوات والارض من غير مثال هو الذي ابتدع المسيح من غير والد . والآخر ان من هذه صفته ، لايجوز عليه اتخاذ الولد ، كما لا يجوز صفات النقص عليه ( تعالى ) عن ذلك . واذا حملنا الآية على وجود المثال ، فوجود الخلق هو كقوله : { كن } إلا انه خرج على تقدير فعلين ، كما يقال : إذا تكلم فلان بشيء ، فانما كلامه مباح ، واذا أمر بشيء فانما هو حتم ، وكما قال : تاب فاهتدى فتوبته هي اهتداؤه ، فلا يتعذر أن يقال : كن قبله ، أو معه . ومتى حملنا ذلك على أنه علامة للملائكة فإنه يحتمل ان يكون معه ، ويحتمل ان يكون قبله . كما تقول : اذا قدم زيد ، قدم عمرو . فانه يحتمل ان يكون وقتاً للامرين معا إلا أنه اشبه الشرط ، كقولك : إن جئتني أعطيتك . ولذلك دخلت الفاء في الجواب ، كما تجيء في الشرط ، كقوله : { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } وكذلك تحتمل الآية الامرين : الاعراب : ورفع قوله : { فيكون } يحتمل أمرين : احدهما ان يكون عطفاً على يقول . والآخر على الاستئناف أي فهو يكون . ونصبه على جواب الامر ، فلا يجوز ، لانه انما يجب الجواب بوجود الشرط . فما كان على فعلين في الحقيقة ، كقولك إأتني فأكرمك ، فالاتيان غير الاكرام ، فأما { كن فيكون } فالكون الحاصل هو الكون المأمور به ، ومثله انما اقول له إأتني ، فيأتيني . وقال ابو علي الفارسي : يجوز ذلك على وجه : وهو على ان لفظه لما كن لفظ الامر ، نصب كما نصب في جواب الامر ، فان كان الامر بخلافه كما قال ابو الحسن في نحو قوله تعالى { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } ويجوز ذلك في الآي على انه اجري مجرى جواب الامر وان لم يكن جواباً له في الحقيقة وقد يكون اللفظ على شيء ، والمعنى على غيره نحو قولهم : ما أنت وزيد ، والمعنى لم تؤذيه . وليس ذلك في اللفظ ، ومثله { فلا تكفر فيتعلمون } ليس فيتعلمون جواباً لقوله : { فلا تكفر } ولكن معناه يعلمون أو يعلمان ، فيتعلمون منهما غير أن قوله { فلا تكفر } نهي على الحقيقة . وليس قوله { كن } امراً على الحقيقة ، فمن ها هنا ضعفت هذه القراءة .