Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 186-186)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النزول : روي عن الحسن : أنّ سائلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أقريب رّبنا فتناجيه أم بعيد فتناديه ، فنزلت الآية . قال قتادة : نزلت جواباً لقوم سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كيف تدعو . المعنى : وقوله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب } معناه : إن اقتضت المصلحة إجابته ، وحسن ذلك ، ولم تكن فيه مفسدة . فأما أن يكون قطعاً لكل من يسأل فلابد أن يجيبه . فلا . على أن الداعي لا يحسن منه السؤال إلا بشرط ألاّ يكون في إجابته مفسدة ، لا له ، ولا لغيره ، وإلاّ كان الدعاء قبيحاً . ولا يجوز أن يقيد الاجابة بالمشيئة بأن يقول : إن شئت ، لأنه يصير الوعد به لا فائدة فيه ، فمن أجاز ذلك فقد أخطأ . فان قيل : إذا كان لا يجيب كل من دعا ، فما معنى الآية ؟ قلنا معناه أن من دعا - على شرائط الحكمة التي قدمناها ، واقتضت المصلحة إجابته - أجيب لا محالة ، بان يقول : اللهم إفعل بي كذا إن لم يكن فيه مفسدة لي أو لغيري في الدين أو دنيوي . هذا في دعائه . وفي الناس من قال : إن الله وعد باجابة الدعاء عند مسألة المؤمنين دون الكفار ، والفاسقين . والمعتمد هو الاول . فان قيل : إذا كان ما تقتضيه الحكمة لا بد أن يفعل به ، فلا معنى للدعاء ! قلنا عنه جوابان : أحدهما - أن ذلك عبادة كسائر العبادات . ومثله قوله : { ربّ احكم بالحق } . والثاني - انه لايمتنع أن تقتضي المصلحة إجابته اذا دعا . ومتى لم يدع لم تقتض الحكمة إجابته . فان قيل : هل يجوز أن تكون الاجابة غير ثواب ؟ قلنا فيه خلاف . قال أبوعلي لا يكون إلا ثواباً ، لأن من أجابه الله ، يستحق المدح في دين المسلمين ، فلا يجوز أن يجيب كافراً ، ولا فاسقاً . وكان أبو بكر بن الأخشاد يخبر ذلك في العقل على وجه الاستصلاح له . وهذا الوجه أقرب الى الصواب . والدعاء : طلب الطالب للفعل من غيره . ويكون الدعاء لله على وجهين : أحدهما - طلب في مخرج اللفظ ، والمعنى على التعظيم والمدح ، والتوحيد : كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ، وقولك : ربّنا لك الحمد . الثانى - الطلب لأجل الغفران أو عاجل الانعام كقولك : أللهم اغفر لي وارحمني ، وارزقني ، وما أشبه ذلك . وقوله : { فإني قريب } قيل في معناه قولان : أحدهما - إني قريب الاجابة : سريع الاجابة ، فجاز ذلك لمشاكلة معنى قريب لسريع . الثاني - قريب - ، لأنه يسمع دعاءهم كما يسمعه القريب المسافة منهم ، فجاز لفظة قريب ، فحسن البيان بها . فأما قريب المسافة ، فلا يجوز عليه تعالى ، لانه من صفات المحدثات . اللغة : وقوله { أجيب دعوة الداعي إذا دعان } فالاجابة من الجواب ، وهو القطع . يقال : جاب البلاد يجوب جوباً اذا قطع . ومنه قوله تعالى : { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } أي قطعوه . وأجاب الله دعاءه إجابة ، وأجاب فلان عن السؤال جواباً . وأجاب الظلام اذا قطعه . واستجاب له استجابة . وجاوبه مجاوبة ، وتجاوب تجاوباً ، وانجاب السحاب : اذا انقشع . وأصل الباب القطع ، فاجابة السائل : القطع بما سأل ، لأن سوآله على الوقف أيكون أم لا يكون . الاعراب : وقوله تعالى { فليستجيبوا لي } هذه لام الأمر ، لابد منها للغائب . وأما للحاضر ، فيجوز فيه إثباتها وإسقاطها . كقولك قم ولتقم . والأصل فيها أن تكون مكسورة . ويجوز فيها السكون إذا اتصلت بحرف واحد كالفاء فأما ثم ، فالوجه معها الكسر ، لأنها منفصلة . وإنما جاز فيها السكون دون لام كي لأنه لما كان عملها التسكين جاز فيها ، لايذانه بعملها . المعنى : وقال أبوعبيدة : استجاب ، وأجاب بمعنى واحد . وأنشد لكعب بن سعد الغنوي : @ وداع دعا يا من يجيب الى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ أي لم يجبه . وقال المبرد : هذا لا يجوز ، لأن في الاستجابة معنى الاذعان ، وليس ذلك في الاجابة . وقوله { لعلهم يرشدون } في لعلّ جوابان : أحدهما - ليرشدوا ، فتكون دالة على العوض في الاجابة ، من الله تعالى للعبد . الثاني - على الرجاء والطمع ، لأن يرشدوا ، ويكون متعلقاً بفعل العباد . والرشد : نقيض الغيّ . يقال : رشد يرشد رشداً ، ورشيد رشدراً ، وأرشده إرشاداً واسترشد إسترشاداً ، وهو لرشدة خلاف لزنية . وأصل الباب إصابة الخير ، فمنه الارشاد : الدلالة على وجه الاصابة للخير . وروى عن أبي عبد الله ( ع ) أنه قال : { وليؤمنوا بي } أي وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوا .