Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 187-187)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : الرفث الجماع ها هنا بلا خلاف ، وفي قراءة ابن مسعود { فلا رفوث } ، وقيل : أصله فاحش القول فكنّى به عن الجماع قال العجاج : @ عن اللّغا ورفث التكلم @@ والرفث والترفث : قول الفحش يقال رفث يرفث رفثاً . وروى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( ع ) كراهية الجماع في أول ليلة من كل شهر ، إلا أول ليلة من شهر رمضان لمكان الآية والآشبه أن يكون المراد بليلة الصيام ليالي الشهر كله . وإنما ذكر بلفظ التوحيد ، لأنه اسم جنس يدل على التكثير . ومعنى قوله : { هنّ لباس لكم } أنهن يصرن بمنزلة اللباس ، كما قال النابغة الجعدي : @ اذا ما الضجيع ثنى عطفه تثنت عليه فكانت لباسا @@ وقال قوم : معناه هنّ سكن لكم ، كما قال : { وجعلنا الليل لباساً } أي سكناً . واللباس الثياب التي من شأنها أن تستر الأبدان ، ويشبه بها الأغشية فيقال لبّس السيف بالحلية . وقوله تعالى : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } معناه أنهم كانوا لما حرم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النوم . خالفوا في ذلك فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك الفريضة . فان قيل : أليس الخيانة انتقاض الحق على جهة المساترة ، فكيف يساتر نفسه ؟ قلنا عنه جوابان : أحدهما - أن بعضهم كان يساتر بعضاً فيه فصار كأنه يساتر نفسه ، لأن ضرر النقص والمساترة داخل عليه . الثاني - أنه يعمل عمل المساتر له فهو يعمل لنفسه عمل الخائن له . ويقال : خانه يخونه خوناً وخيانة ، وخونه تخويناً ، واختانه اختياناً ، وتخوّنه تخوناً ، والتخون : التنقص ، والتخون : تغيير الحال الى ما لا ينبغي { خائنة الأعين } [ المؤمن : 19 ] مشارفة النظر الي ما لا يحل . وأصل الباب منع الحق . وقوله تعالى : { فتاب عليكم } أي قبل توبتكم على ما بيناه فيما تقدم . وقوله تعالى : { وعفا عنكم } فيه قولان : أحدهما - غفر ذنبكم . الثاني - أزال تحريم ذلك عنكم ، وذلك عفو عن تحريمه عليهم . وقوله تعالى : { فالآن باشروهن } أي جامعوهن ، ومعناه الاباحة دون الأمر ، والمباشرة إلصاق : البشرة بالبشرة ، وهي ظاهر أحد الجلدين بالآخر . وقوله تعالى : { وابتغوا ما كتب الله لكم } قيل في معناه قولان : أحدهما - قال الحسن ، وغيره : يعني طلب الولد . الثاني - قال قتادة : يعني الحلال الذي بيّنه الله في الكتاب ، والابتغاء : الطلب للبغية ، وقوله { وكلوا واشربوا } إباحة للأكل والشرب { حتى يتبّين } أي يظهر ، والتبين : تميز الشيء الذي يظهر للنفس على التحقيق { الخيط الأبيض من الخيط الأسود } يعني بياض الفجر من سواد الليل . وقيل : خيط الفجر الثاني مما كان في موضعه من الظلام . وقيل النهار من الليل ، فأول النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياء . قال أبو داوود . @ فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا @@ وروي عن حذيفة ، والأعمش ، وجماعة : أن الخيط الابيض : هو ضوء الشمس ، وجعلوا أول النهار طلوع الشمس ، كما أن آخر غروبها بلا خلاف في الغروب . وأكثر المفسرين على القول الأول ، وعليه جميع الفقهاء ، لا خلاف فيه بين الأمة اليوم . اللغة : والخيط في اللغة معروف يقال خاط يخيط خياطة ، فهو يخيط ، وخيّطه تخييطاً . والخيط : القطيع من النعام . ونعامة خيطاء : قيل : خيطها طول قصبتها ، وعنقها . وقيل : اختلاط سوادها ببياضها ، وكلاهما يحتمل ، فالأول ، لأنه كالخيط الممدود . والثاني - لأنه كاختلاط خيوط بيض بسود . والمخيط الابرة . ونحوها مما يخاط به . والابيض نقيض الاسود . والبياض ضد السواد يقال : أبيض ، وابياض بيضاضاً وبيّضه تبييضاً ، وتبيّض تبيضاً . وبيضة الطير ، وبيضة الحديد ، وبيضة الاسلام مجتمعه ، وابتاضوهم أى استأصلوهم ، لأنهم اقتلعوا بيضهم وأصل الباب البياض . واسود ، واسواد اسوداداً ، وسوده تسويداً ، وتسود تسوداً ، وساوده سواداً : أي ساده سواداً ، لأن الخفاء فيه كخفاء الشخص في سواد الليل . وسواد العراق : سمي به لكثرة الماء ، والشجر الذي تسود به الأرض وسواد كل شيء شخصه . والأسود من الحبة يجمع أساود . وسويداء القلب ، وسوداؤه دمه الذي فيه في قول : ابن دريد . وقيل حبة القلب ، لأنه في سواد من الظلمة . وساد سؤدداً ، فهو سيد ، لأنه ملك السواد الأعظم ، والمسود : الذي قد ساده غيره . المعنى : وقوله { من الفجر } يحتمل معنيين : أحدهما - أن يكون بمعنى التبعيض , لأن ، المعنى من الفجر ، وليس الفجر كله . هذا قول ابن دريد . الثاني - بمعنى تبين الخيط ، كأنه قال : الخيط الذي هو الفجر . وقوله : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } قد بينا حقيقة الصيام فيما مضى . والليل هو بعد غروب الشمس ، وعلامة دخوله على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق ، وإقبال السواد منه ، وإلا فاذا غابت الشمس مع ظهور الآفاق في الأرض المبسوطة وعدم الجبال ، والروابي ، فقد دخل الليل . وقوله تعالى : { ولا تباشروهن } قيل في معناه قولان ها هنا : قال ابن عباس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم : أراد به الجماع . وقال ابن زيد ، ومالك : أراد الجماع . كلما كان دونه من قبلة ، وغيرها . وهو مذهبنا . وقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } فالاعتكاف - عندنا - هو اللبث في أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام أو مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو مسجد الكوفة أو مسجد البصر ، للعبادة من غير اشتغال بما يجوز تركه من أمور الدنيا . وله شرائط - ذكرناها في كتب الفقه - وأصله اللزوم قال الطرماح : @ فبات بنات الليل حولي عكفاً عكوف البواكي بينهن صريع @@ وقال الفرزدق : @ ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف @@ اللغة : وقوله تعالى : { تلك حدود الله } . فالحدّ على وجوه : أحدها - المنع ، يقال : حدّه عن كذا حدّا أى منعه . والحدّ حدّ الدار . والحدّ الفرض من حدود الله أي فرائضه ، الحد الجلد للزاني ، وغيره . والحد : حد السيف ، وما أشبهه . والحد في الحلق : الحدة . والحد : الفرق بين الشيئين . والحد منتهى الشيء . وحد الشراب : صلابته . وإحداد المرأة على زوجها : امتناعها من الزينة والطيب . وإحداد السيف : إشحاذه . وإحداد النظر الى الشيء التحديق إليه . والحديد معروف ، وصانعه الحداد . والحداد السجان . والاستحداد حلق الشيء بالحديد . وحاددته : عاصيته ، ومنه قوله تعالى { إن الذين يحادّون الله ورسوله } وأصل الباب المنع . والحدّ : نهاية الشيء التي تمنع أن يدخله ما ليس منه ، وأن يخرج عنه ما هو منه . أحكام الاعتكاف : ولا يجوز الاعتكاف إلا بصوم ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ابن أنس . وقال الشافعي يصح بلا صوم ، وبه قال الحسن إلا أن يشرط . وعندنا لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وبه قال أهل المدينة . وقال أهل العراق : الاعتكاف جائز في كل مسجد يصلى فيه جماعة . وقال مالك : لا إعتكاف إلا في موضع يصلى فيه الجمعة من المصر . وقال أهل العراق : المرأة تعتكف في مسجد بيتها . وقال مالك : لا تعتكف إلا في مسجد جماعة . وقال الشافعي : المرأة والعبد يعتكفان ، وكذلك المسافر حيث شاءوا . وقد بينا ما عندنا في ذلك . ولا فرق بين الرجل والمرأة فيه . وقال مالك : لا يكون الاعتكاف أقل من عشرة أيام . وعند أهل العراق يكون يوماً . ومسائل الاعتكاف قد بيناها في النهاية ، والمبسوط في الفقه ، فلا نطول بدكرها . والمختلف فيها ذكرناه في مسائل الخلاف . سبب النزول : وقيل أن هذه الآية نزلت في شأن أبي قيس بن صرمه ، فكان يعمل في أرض له ، فأراد الأكل ، فقالت امرأته : يصلح لك شيئاً فغلبت عيناه ، ثم قدمت إليه الطعام ، فلم يأكل ، فلما أصبح لاقى جهداً ، فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، فنزلت هذه الآية . وروي أن عمراً أراد أن يوقع زوجته في الليل ، فقالت : إني نمت فظن أنها تعتل عليه ، فوقع عليها ، ثم أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك من الغد ، فنزلت الآية فيهما . المعنى : وقوله تعالى : { كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } يعني ما بين لهم من الأدلة على ما أمرهم به ، ونهاهم عنه ، لكلي يتقوا معاصي ، وتعدي حدوده التي أمرهم الله بها ، ونهاهم عنها ، وأباحهم إياها . وفي ذلك دلالة على أنه تعالى : أراد التقوى من جميع الناس : الذين بين لهم هذه الحدود . وروي عن أبي عبد الله ( ع ) أنها نزلت في خوات من جبير مثل قصة أبي قيس بن صرمه . وأنه كان ذلك يوم الخندق . وروي عن أبي جعفر ( ع ) حديث أبي قيس سواء .