Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-195)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : أمر الله تعالى جميع المكلفين المتمكنين من الانفاق في سبيل الله : أن ينفقوا في سبيله ، وسبيل الله : هو كل طريق شرعه الله تعالى لعباده ، ويدخل فيه الجهاد ، والحج ، وعمارة القناطر ، والمساجد ، ومعاونة المساكين ، والأيتام ، وغير ذلك ، والانفاق : هو إخراج الشيء عن ملك مالكه إلى ملك غيره ، لأنه لو أخرجه الى هلاك لم يسم إنفاقاً . وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة } معناه لا تطرحوا أنفسكم في الهلاك ، بأن تفعلوا ما يؤدي إليه . وحقيقة الالقاء تصير الشيء الى جهه السفل . وإنما يقال : ألقى عليه مسألة مجازاً ، كما يقال : طرح عليه مسألة . الاعراب : والباء في قول بأيديكم يحتمل وجهين : أحدهما - أن تكون زائدة كقولك تعلقت زيداً ، وتعلقت بزيد وجذبت الثوب ، وجذبت بالثوب ، وعلمته ، وعلمت به . قال الشاعر : @ ولقد ملأت على نصيب جلده بمساءة إن الصديق يعاتب @@ والمراد ملأت جلده مساءة . والثاني - أن يكون على أصل الكلام من وجهين : أحدهما - أن كل فعل متعد إذا كني عنه أو قدر على المصدر دخلته الباء ، كقولك ضربته ثم تكني عنه فتقول فعلت به . والآخر أن تقول : أوقعت الضرب به فجاء على أصل الأفعال المتعدية . والوجه الاخر : أنه لما كان معناه : لاتهلكوا أنفسكم بايديكم ، فدخلت الباء ليدّل على هذا المعنى ، وهو خلاف أهلك نفسه بيد غيره . المعنى : وقيل في معنى الآية وجوه : أحدها - قال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك ، وهو المروى عن حذيفة ، وابن عباس : إن معناها { لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } بالامتناع من الانفاق في سبيل الله . الثاني - ما روي عن البراء ابن عازب ، وعبيدة السلماني : لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة . الثالث - ما قال البلخي ، من أن معناها : لا تتقحموا الحرب من غير نكاية في العدّو ، ولا قدرة على دفاعهم . والرابع - ما قاله الجبائي لا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي على النفس . والأولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك . اللغة : والتهلكة ، والهلاك واحد . وقيل : التهلكة : ما أهلكهم الله عنده . وأصل الهلاك الضياع ، وهو مصدر ضاع الشيء بحيث لا يدري أين هو ، ومنه يقال للكافر : هالك ، وللميت : هالك ، وللمعذب : هالك . والهلوك : المهواة البعيدة ، لأن الذي يهوي فيها هالك . والهلوك : الفاجرة . والهلوك : المتحيرة ، تشبيهاً بالهلوك : الفاجرة التي تمايل في مشيتها ، تقول : هلك يهلك هلكا ، وهلاكا ، وأهلكه إهلاكا ، وتهالك تهالكا , واهتلك اهتلاكا : إذا ألقى نفسه في المهالك . واستهلكه استهلاكا ، وانهلك انهلاكا . إذا حمل نفسه على الأمر الصعب . والهالكي : الحداد . وأصل ذلك أن بني الهالك بن عمر ، كانوا قيونا ، فسمي بذلك كل قين : هالكياً . والتهلكة : كلما كان عاقبته الى الهلاك . والهالك : الفقير الذي بمضيعة . والاحسان : هو الافضال الى المحتاج ، في قول زيد بن أسلم . وحدّ الاحسان هو إيصال النفع الحسن إلى الغير ، وليس المحسن من فعل الفعل الحسن ، لأن الله تعالى بفعل العقاب وهو حسن ، ولا يقال : إنه محسن به ، ولا يسمى مستوفي الدين محسناً ، وإن كان حسناً ، فان أطلق ذلك في موضع ، فعلى وجه المجاز . وإنما اعتبرنا أن يكون النفع حسناً ، لأن من أوصل نفعاً قبيحاً الى غيره لا يقال : إنه محسن اليه . وقد بينا حقيقة المحبة ، فيما مضى ، فلا وجه لاعادته ، ومحبة الله للمحسنين ، إرادة الثواب بهم والمنعفة لهم . وقال عكرمة : أحسنوا الظن بالله يراكم . وقال ابن زيد : أحسنوا بالعود على المحتاج { إن الله يحب المحسنين } وروى عن أبي عبد الله ( ع ) أنه قال : لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبل الله ما كان أحسن ولا وفق لقوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } يعني المقتصدين .