Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 116-120)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ نافع وابو بكر عن عاصم { وإنك لا تظمؤ } بكسر الهمزة على الاستئناف وقطعه عن الأول . الباقون بالنصب عطفاً على اسم ( أن ) . يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد واذكر حين قال الله تعالى { للملائكة اسجدوا لآدم } أي أمرهم بالسجود له ، وانهم سجدوا له بأجمعهم إلا إبليس وقد بينا - فيما تقدم - أن أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم يدل على تفضيله عليهم ، وإن كان السجود لله تعالى لا لآدم ، لأن السجود عبادة ، لا يجوز أن يفعل إلا لله ، فأما الخلوقات فلا تستحق شيئاً من العبادة بحال ، لأن العبادة تستحق بأصول النعم وبقدر من النعم لا يوازيها نعمة منعم . وقال قوم : ان سجود الملائكة لآدم كان كما يسجد الى جهة الكعبة - وهو قول الجبائي - والصحيح الأول ، لأن التعظيم الذي هو في أعلى المراتب حاصل لله لا لآدم باسجاد الملائكة له . ولو لم يكن الأمر على ما قلناه من أن في ذلك تفضيلا لآدم عليهم ، لما كان لامتناع إبليس من السجود له وجه ، و لما كان لقوله { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } وجه . فلما احتج إبليس بأنه أفضل من آدم - وإن أخطأ فى الاحتجاج - علمنا أن موضوع الأمر بالسجود لآدم على جهة التفضيل ، وإلا كان يقول الله لابليس : إني ما فضلته على من أمرته بالسجود لآدم وإنما السجود لي ، وهو بمنزلة القبلة ، فلا ينبغي أن تانف من ذلك . وقد بينا أن الظاهر - فى روايات أصحابنا - أن ابليس كان من جملة الملائكة ، وهو المشهور - في قول ابن عباس - وذكره البلخي - فعلى هذا يكون استثناء إبليس من جملة الملائكة استثناء متصلا . ومن قال : إن ابليس لم يكن من جملة الملائكة قال : هو استثناء منقطع ، وانما جاز ذلك ، لأنه كان مأموراً ايضاً بالسجود له ، فاستثني على المعنى دون اللفظ ، كما يقال : خرج أصحاب الأمير إلا الأمير ، وكما قال عنتر ابن دجاجة : @ من كان أشرك فى تفرق مالح فلبونه جربت معاً واغذت الا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن فى غلوائه المتثبت @@ والمعنى لكن هذا كناشرة . وتقول : قام الأشراف للرئيس ، إلا العامي الذي لا يلتفت اليه . قال الرماني : وإذا أمر الملائكة بالسجود اقتضى أن من دونهم داخل معهم ، كما أنه اذا أمر الكبراء بالقيام للأمير اقتضى أن الصغار القدر ، قد دخلوا معهم . وقوله { أبى } معناه امتنع { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } حكاية عما قال الله لآدم : إن إبليس عدوك وعدو زوجتك يريد إخراجكما من الجنة ، ونسب الاخراج الى ابليس إذ كان بدعائه واغوائه . وقوله { فتشقى } قيل : معناه تتعب بأن تأكل من كدّ يدك وما تكتسبه لنفسك . وقيل : فتشقى على خطاب الواحد ، والمعنى فتشقى أنت وزوجك ، لأن امرهما فى السبب واحد ، فاستوى حكمهما لاستوائهما في العلة . وقيل : خص بالشقاء لأن الرجل يكد على زوجته . وقوله { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } يعني في الجنة ما دمت على طاعتك لي والامتثال لأمري وانك { لا تعرى } فيها من الكسوة { وإنك لا تظمأ فيها } اي لا تعطش فيها { ولا تضحى } أي لا يصيبك حر الشمس - وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة - وقال عمر بن ابي ربيعة : @ رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخضر @@ أي يخضر من البرد . وقيل : ليس فى الجنة شمس انما فيها نور وضياء . وانما الشمس في سماء الدنيا خاصة . وضحى الرجل يضحى إذا برز للشمس . قال أبو علي : إنما لم يجز أن يقول انك لا تجوع وإنك لا تظمأ . بغير فصل كراهة اجتماع حرفين متقاربين فى المعنى ، فاذا فصل بينهما لم يكره ذلك ، كما كرهوا : إن لزيداً قائم ، ولم يكرهوا { إن في ذلك لآيات } مع الفصل . وقال الرماني إنما جاز أن تعمل { إنّ } في ( أن ) بفصل ولم يجز من غير فصل كراهية التعقيد بمداخلة المعاني المتقاربة ، فاما المتباعدة فلا يقع بالاتصال فيها تعقيد ، لأنها متباينة مع الاتصال لالفاظها ، فلذلك جاز { إن لك أن لا تظمؤا فيها } ولم يجز ان انك لا تظمؤ ، لأنه بغير فصل . ثم اخبر تعالى أن إبليس وسوس لادم ، فقال له { هل أدلك على شجرة الخلد … } أي على شجرة إن تناولت منها بقيت في الجنة مخلداً لا تخرج منها ، وحصل لك ملك وسلطان لا يبلى على آلابد ، ولا يهلك ، وهي الشجرة التي نهاه الله تعالى عن تناولها . وقد قدمنا أختلاف المفسرين في ماهية تلك الشجرة فيما مضى فلا وجه لاعادته .