Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 121-125)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اخبر الله تعالى عن آدم وحواء أنهما أكلا من الشجرة التي نهى الله عن أكلها ، وعندنا أن النهي كان على وجه التنزيه . والأولى أن يكون على وجه الندب دون نهي الحظر والتحريم ، لأن الحرام لا يكون إلا قبيحاً ، والأنبياء لا يجوز عليهم شيء من القبائح لا كبيرها ولا صغيرها . وقال الجبائي : لا تقع معاصي الانبياء إلا سهواً ، فأما مع العلم بأنها معاصي فلا تقع . وقال قوم آخرون : إنه وقع من آدم أكل الشجرة خطأ . لأنه كان نهي عن جنس الشجرة فظن انه نهي عن شجرة بعينها ، فأخطأ فى ذلك . وهذا خطأ لأنه تنزيه له من وجه المعصية ، ونسبة المعصية اليه من وجهين : أحدهما - أنه فعل القبيح . والثاني - أنه أخطأ فى الاستدلال . وقال قوم : انها وقعت منه عمداً ، وكانت صغيرة ، وقعت محبطة . وقد بينا أن ذلك لا يجوز عليهم ( ع ) عندنا بحال . وقال الرماني : لما حلف ابليس لهما لم يقبلا منه ، ولم يصدقاه ، ولكن فعلا ذلك لغلبة شهوتهما ، كما يقول الغاوي للانسان إزن بهذه المرأة ، فانك ان أخذت لم تحد ، فلا يصدقه ، ويزني بها لشهوته . وقال الحسن : أكلت حواء أولا وابت عليه ان يجامعها حتى يأكل منها ، فأكل حينئذ . وقوله { فبدت لهما سوآتهما } أي ظهرت لهما عوراتهما ، لان ما كان عليهما من اللباس نزع عنهما ، ولم يكن ذلك على وجه العقوبة بل لتغيير المصلحة فى نزعهما وإخراجهما من الجنة وإهباطهما الأرض وتكليفهما فيها . وانما جمع سوآتهما ، وهو لأثنين ، لأن كل شيئين من شيئين ، فهو من موضع التثنية جمع ، لأن الاضافة تثنية مع أنه لا إخلال فيه لمناسبة الجمع للتثنية . وقال السدي : كان لباس سوآتهما الظفر . وقوله { طفقا } يعني ظلا ، وجعلا يفعلان . وقوله { يخصفان عليهما من ورق الجنة } فالخصف خيط الشيء بقطعة من غيره ، يقال : خصفه يخصفه خصفاً ، فهو خاصف وخصاف . وقيل : انهما كانا يطبقان ورق الجنة بعضه على بعض ويخيطان بعضه الى بعض ليسترا به سوآتهما . وقوله { وعصى آدم ربه فغوى } معناه خالف ما أمره الله به فخاب ثوابه . والمعصية مخالفة الأمر سواء كان واجباً او ندباً قال الشاعر : @ أمرتك امراً جازماً فعصيتني @@ ويقال ايضاً : أشرت عليك بكذا ، فعصيتني ، ويقال غوى يغوي غواية وغياً إذا خاب ، قال الشاعر : @ فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً @@ أي من يخب ، وفي الكلام حذف ، لان تقديره ان آدم تاب الى الله وندم على ما فعل ، فاجتباه الله واصطفاه { وتاب عليه } أي قبل توبته . وهداه الى معرفته والى الثواب الذي عرضه له . وقوله { قال اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو } يعني آدم وحواء وابليس وذريته . وقد بينا معنى الهبوط فيما تقدم واختلاف الناس فيه . والمعنى أنه أخرج هؤلاء من الجنة بأن أمرهم بالخروج منها على وجه تغيير المصلحة في أمره ، ولابليس على وجه العقوبة . وقد بينا فيما تقدم ان إخراج ابليس من الجنة ، كان قبل ذلك حين أمره الله بالسجود لآدم فامتنع فلعنه وأخرجه ، وانما أغوى آدم من خارج الجنة ، لأنه قيل : ان آدم كان يخرج الى باب الجنة . وذكرنا أقوال المفسرين فى ذلك فيما مضى . وقوله { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى } معناه ان أتاكم هدى مني بأن أكلفكم ، وانصب لكم الادلة على ما آمركم به من معرفتي وتوحيدي والعمل بطاعتي ، فمن اتبع أدلتي وعمل بما آمره به ، فانه { لا يضل } في الدنيا { ولا يشقى } في الآخرة . وقال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . وقوله { ومن أعرض عن ذكري } [ أي من لم ينظر في ذكري الذي هو القرآن والادلة المنصوبة على الحق وصدف عنها ] { فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } فالضنك الضيق الصعب ، منزل ضنك أي ضيق ، وعيش ضنك ، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، لأن أصله المصدر . ثم وصف به ، قال عنترة : @ إن يلحقوا أكرر وان يستلحموا أشدد وان يلفوا بضنك أنزل @@ وقال ايضاً : @ ان المنية لو تمثل مثلت مثلي اذا نزلوا بضنك المنزل @@ والضنك : الضيق ، في قول مجاهد وقتادة : وقال الحسن وابن زيد : المعيشة الضنك هو الضريع ، والزقوم في النار . وقيل : الضريع شوك من نار . وقال عكرمة والضحاك : هو الحرام في الدنيا الذي يؤدي الى النار . وقال ابن عباس : لأنه غير موقن بالخلف ، فعيشه منغص . وقال ابو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وأبو صالح ، والسدي ، ورواه ابو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه عذاب القبر ، ولقوله تعالى { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } يقتضي انه عذاب القبر . وقوله { ونحشره يوم القيامة أعمى } قيل معناه نحشره يوم القيامة أعمى البصر . وقيل أعمى الحجة . وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدي اليها . والأول هو الظاهر اذا اطلق . فمن قال : أعمى البصر قال : معناه لا يبصر في حال ويبصر العذاب في حال . ومن قال : بالآخرة قال : هو أعمى عن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها . وقوله { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً } حكاية عما يقول الذي يحشره أعمى { لم حشرتني أعمى } ذاهب البصر { وقد كنت بصيراً } أبصر بها . وهذا يقوي أنه أراد عمى البصر دون عمى البصيرة ، لان الكافر لم يكن بصيراً في الدنيا الا على وجه صحة الحاسة . وقيل معناه كنت بصيراً بحجتي عند نفسي .