Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 66-70)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى لما قال كفار قوم إبراهيم ( ع ) { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } فقال لهم إبراهيم منبهاً لهم على خطئهم وضلالهم { أفتعبدون من دون الله } أي توجهون عبادتكم الى الاصنام التي لا تنفعكم شيئاً ولا تدفع عنكم ضراً ، لانها لو قدرت على نفعكم وضركم . لدفعت عن نفسها ، حتى لم تكسر ، ولأجابت حين سئلت { من دون الله } الذي يقدر على ضركم ونفعكم من ثوابكم وعقابكم ، وإنه يفعل معكم ما لا يقدر عليه سواه . وليس كل من قدر على الضر والنفع يستحق العبادة ، وانما يستحقها من قدر على اصول النعم التى هي خلق الحياة ، والشهوة ، والقدرة ، وكمال العقل ، ويقدر على الثواب والعقاب او لمنافع تقع على وجه لا يقدر على ايقاعها على ذلك الوجه سواه . قال الرماني : لانه تعالى لو فعل حركة فيها لطف في إيمان زيد كزلزلة الارض في بعض الاحوال . ثم ان عندها ايماناً يتخلص به من العقاب . ويستحق الثواب الذي ضمنه بالايمان ، لا يستحق - بفعل الحركة على هذا الوجه - العبادة . ثم قال مهجناً لافعالهم مستقذراً لها { أف لكم ولما تعبدون من دون الله } فمعنى { أف } الضجر بما كان من الامر وهي كلمة ، مبنية ، لانها وضعت وضع الصوت الخارج عن دلالة الاشارة والافادة ، فصارت كدلالة الحرف ، لانه يفهم المعنى بالحال المقارنة لها ، وبنيت على الحركة لالتقاء الساكنين إذ لا اصل لها في التمكن مستعمل ، فتستحق به البناء على الحركة . وكسرت على اصل الحركة لالتقاء الساكنين . وقال الزجاج : معنى { أف لكم } نتناً لافعالكم ، ويجوز - ضم الفاء - للاتباع لضمة الهمزة ويجوز - الفتح - لثقل التضعيف . ويجوز - التنوين - على التنكير . وقوله { أفلا تعقلون } معناه أفلا تتفكرون بعقولكم فى أن هذه الاصنام لا تستحق العبادة ، ولا تقدر على الضر والنفع ، فلما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض { حرقوه } يعني بالنار { وانصروا آلهتكم } أي عظموها وادفعوا عنها وعن عبادتها { إن كنتم فاعلين } معناه إن كنتم ناصريها ، ولم تريدوا ترك عبادتها . والتحريق هو التقطيع بالنار ، يقال : حرقه تحريقاً وأحرقه إحراقاً ، وثوب حرق أي متقطع كالتقطع بالنار . واحترق الشيء احتراقاً ، وتحرق على الامر تحرقاً . وقال ابن عمر : الذي أشار بتحريق إبراهيم رجل من اكراد فارس . وفي الكلام حذف لأن تقديره أوثقوا إبراهيم وطرحوه في النار ، فقال الله تعالى عند ذلك للنار { كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } وقيل في وجه كون النار برداً وسلاماً قولان : احدهما - انه تعالى أحدث فيها برداً بدلا من شدة الحرارة التي فيها ، فلم تؤذه . والثاني - انه تعالى حال بينها وبين جسمه ، فلم تصل اليه ، ولو لم يقل سلاماً لأهلكه بردها ، ولم يكن هناك أمر على الحقيقة . والمعنى أنه فعل ذلك ، كما قال { كونوا قردة خاسئين } أي صيرهم كذلك من غير ان أمرهم بذلك . وقال قتادة : ما أحرقت النار منه إلا وثاقه . وقال قوم : ان إبراهيم لما أوثقوه ليلقوه في النار قال ( لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين . لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ) . ثم اخبر تعالى ان الكفار أرادوا بابراهيم كيداً وبلاء ، فجعلهم الله { الأخسرين } يعني بتأييد ابراهيم وتوفيقه ، ومنع النار من إحراقه حتى خسروا وتبين كفرهم وضلالهم .