Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 76-80)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ " لنحصنكم " بالنون ابو بكر عن عاصم . وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم بالتاء . الباقون بالياء . فمن قرأ بالتاء ، فلأن الدروع مؤنثة ، فأسند الفعل اليها . ومن قرأ بالياء اضافه الى ( لبوس ) ، وهو مذكر ويجوز ان يكون اسند الفعل الى الله . ويجوز أن يضيفه الى التعليم - ذكره ابو علي - ومن قرأ بالنون اسند الفعل الى الله ليطابق قوله " وعلمناه " . يقول الله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) واذكر يا محمد { نوحاً } حين { نادى من قبل } ابراهيم . والنداء الدعاء على طريقة ( يا فلان ) فأما على طريقة ( افعل ) و ( لا تفعل ) فلا يسمى نداء ، وإن كان دعاء . والمعنى إذ دعا ربه ، فقال : رب ، أي يا رب نجني واهلي من الكرب العظيم فقال الله تعالى { فاستجبنا له } اي اجبناه الى ما التمسه { فنجيناه وأهله من الكرب العظيم } . والكرب الغم الذي يحمى به القلب ، ويحتمل ان يكون غمه كان لقومه . ويجوز ان يكون من العذاب الذي نزل بهم . وقوله { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } اي منعناه منهم ان يصلوا اليه بسوء . ومعنى نصرته عليه أعنته على غلبه . ثم اخبر تعالى { إنهم كانوا قوم سوء } فأغرقهم الله اجمعين بالطوفان . ثم قال واذكر يا محمد { داود وسلميان اذ يحكمان في الحرث إذ } فى الوقت الذي { نفشت فيه غنم القوم } والنفش لا يكون الا ليلا على ما قاله شريح . وقال الزهري : الهمل والنشر بالنهار ، والنفش بالليل ، والحرث الذى حكاه فيه : قال قتادة : هو زرع وقعت فيه الغنم ليلا ، فأكلته . وقيل : كرم قد نبتت عناقيده - في قول ابن مسعود - وشريح . وقيل : ان داود كان يحكم بالغنم لصاحب الكرم . فقال سليمان : غير هذا يا نبي الله . قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم الى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم الى صاحب الكرم فيصيب منها ، حتى اذا عاد الكرم كما كان دفع كل واحد الى صاحبه - ذكره ابن مسعود - وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) . وقال ابو علي الجبائي : أوحى الله الى سليمان مما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل . ولم يكن ذلك عن اجتهاد ، لان الاجتهاد لا يجوز ان يحكم به الانبياء . وهذا هو الصحح عندنا . وقال ابن الاخشاذ ، والبلخي والرماني : يجوز أن يكون ذلك عن اجتهاد ، لأن رأي النبي افضل من رأي غيره ، فكيف يجوز التعبد بالتزام حكم غيره من طريق الاجتهاد ، ويمتنع من حكمه من هذا الوجه . والدليل على صحة الاول ان الانبياء ( ع ) يوحى اليهم ، ولهم طريق الى العلم بالحكم ، فكيف يجوز أن يعملوا بالظن ؟ ! والأمة لا طريق لها الى العلم بالاحكام فجاز ان يكلفوا ما طريقه الظن ؟ ! على ان عندنا لا يجوز في الأمة ايضاً العمل على الاجتهاد . وقد بينا ذلك في غير موضع . ومن قال : انهما اجتهدا ، قال أخطأ داود وأصاب سليمان . وذكروا فى قوله { إذ يحكمان } ثلاثة أوجه : أحدها - إذ شرعا في الحكم فيه من غير قطع به في ابتداء الشرع . وثانيها - ان يكون حكمه حكما معلقاً بشرط لم يفعله بعد . وثالثها - أن يكون معناه طلبا بحكم في الحرث ، ولم يبتديا به بعد . ويقوي ما قلناه قوله تعالى " ففهمناها سليمان " يعني علمنا الحكومة فى ذلك سليمان . وقيل : ان الله تعالى { فهم سليمان } قيمة ما أفسدت الغنم . ثم أخبر تعالى بأنه آتى كلا حكما وعلماً ، فدل على ان ما حكم به داود كان بوحي الله ، وتعليمه . وقيل : معنى قوله { ففهمناها سليمان } أي فتحنا له طريق الحكومة ، لما اجتهد في طلب الحق فيها ، من غير عيب على داود فيما كان منه فى ذلك ، لأنه اجتهد ، فحكم بما أدى اجتهاده اليه . وقوله { وسخرنا مع داود الجبال } معناه سير الله تعالى الجبال مع داود حيث سار ، فعبر عن ذلك بالتسبيح ، لما فيها من الآية العظيمة التي تدعو له بتعظيم الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به ، ولا يجوز وصفه به . وكذلك سخر له الطير ، وعبر عن ذلك التسخير بأنه تسبيح من الطير ، لدلالته على أن من سخرها قادر لا يجوز عليه العجز ، كما يجوز على العباد . وقوله { وكنا فاعلين } أي وكنا قادرين على ما نريده . وقال الجبائي : اكمل الله تعالى عقول الطير حتى فهمت ما كان سليمان يأمرها به وينهاها عنه ، وما يتوعدها به متى خالفت . وقوله { وكنا لحكمهم شاهدين } انما جمعه فى موضع التثنية ، لأن داود وسليمان كان معهما المحكوم عليه ، ومن حكم له . فلا يمكن الاستدلال به على أن اقل الجمع اثنان . ومن قال : إنه كناية عن الاثنين ، قال : هو يجري مجرى قوله { فإن كان له أخوة } فى موضع فان كان له أخوان . وهذا ليس بشيء ، لان ذلك علمناه بدليل الاجماع ، ولذلك خالف فيه ابن عباس ، فلم يحجب ما قل عن الثلاثة . وقوله { وعلمناه } يعني داود { صنعة لبوس لكم } اي علمناه كيف يصنع الدرع . وقيل : ان اللبوس - عند العرب - هو السلاح كله ، درعاً كان ، أو جوشناً ، او سيفاً ، او رمحاً ، قال الهذلي . @ ومعي لبوس للبنين كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل @@ يصف رمحاً . وقال قتادة ، والمفسرون : المراد به في الآية الدروع . والاحصان الاحراز ، والباس شدة القتال . وقوله { فهل أنتم شاكرون } تقرير للخلق على شكره تعالى على نعمه التي انعم بها عليهم بأشياء مختلفة .