Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 86-90)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ يعقوب { فظن ان لن يقدر عليه } بالياء مضمومة . وفتح الدال . الباقون بالنون ، وكسر الدال ، والمعنيان متقاربان . يقول الله تعالى إنا ادخلنا هؤلاء الذين ذكرناهم من الانبياء { في رحمتنا } أي في نعمتنا ، ومعنى { أدخلناهم في رحمتنا } غمرناهم بالرحمة . ولو قال رحمناهم لما أفاد الاغمار ، بل أفاد انه فعل بهم الرحمة ، التي هي النعمة . وقوله { إنهم من الصالحين } معناه إنما ادخلناهم في رحمتنا ، لانهم كانوا ممن صلحت أعمالهم ، وفعلوا الطاعات ، وتجنبوا المعاصي . و { صالح } صفة مدح في الشرع . ثم قال لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) واذكر { ذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه } والنون الحوت ، وصاحبها يونس بن متى ، غضب على قومه - فى قول ابن عباس والضحاك - فذهب مغاضباً لهم ، فظن ان الله لا يضيق عليه ، لأنه كان ندبه الى الصبر عليهم والمقام فيهم من قوله { ومن قدر عليه رزقه } أي ضيق ، وقوله { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يضيق ، وهو قول ابن عباس ومجاهد والضحاك ، واكثر المفسرين . وقال الزجاج والفراء : معناه { ظن أن لن نقدر عليه } ما قدرناه . وقال الجبائي : ضيق الله عليه الطريق حتى ألجأه الى ركوب البحر حتى قذف فيه ، وابتلعته السمكة . ومن قال : ان يونس ( ع ) ظن أن الله لا يقدر عليه من القدرة ، فقد كفر . وقيل إنما عوتب على ذلك ، لأنه خرج مغاضباً لهم قبل أن يؤذن له ، فقال قوم : كانت خطيئة ، من جهة تأويله أنه يجوز له ذلك . وقد قلنا : انه كان مندوباً الى المقام فلم يكن ذلك محظوراً ، وانما كان ترك الأولى . فأما ما روي عن الشعبي وسعيد بن جبير من انه خرج مغاضباً لربه فلا يجوز ذلك على نبي من الانبياء ، وكذلك لا يجوز أن يغضب لم عفى الله عنهم إذ آمنوا ، لان هذا اعتراض على الله بما لا يجوز في حكمته . وقوله { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فالظلمات قيل : إنها ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، على ما قاله ابن عباس وقتادة . وقيل : حوت فى بطن حوت ، فى قول سالم بن أبي حفصة . وقيل : ان أكثر دعائه كان في جوف الليل فى الظلمات . والأول أظهر في اقوال المفسرين . وقال الجبائي : الغضب عداوة لمن غضب عليه ، وبقاؤه في بطن الحوت حياً معجز له . ولم يكن يونس فى بطن الحوت على جهة العقوبة ، لان العقوبة عداوة للمعاقب ، لكن كان ذلك على وجه التأديب ، والتأديب يجوز على المكلف وغير المكلف ، كتأديب الصبي وغيره . وقال قوم : معنى قوله { فظن أن لن نقدر } الاستفهام ، وتقديره أفظن . وهذا ضعيف ، لأنهم لا يحذفون حرف الاستفهام إلا وفي الكلام عوض عنه من ( أم ) أو غيرها . وقوله { إني كنت من الظالمين } أي كنت من الباخسين نفسي ثوابها ، لو أقمت ، لأنه كان مندوباً اليه ، ومن قال يجوز الصغائر على الانبياء ، قال : كان ذلك صغيرة نقصت ثوابه . فأما الظلم الذي هو كبيرة ، فلا يجوزها عليهم إلا الحشوية الجهال ، الذين لا يعرفون مقادير الانبياء ، الذين وصفهم الله بأنه اصطفاهم واختارهم . ثم اخبر تعالى انه استجاب دعاءه ونجاه من الغم الذي كان فيه . ووعد مثل ذلك أن ينجي المؤمنين . وقد قرأ ابو بكر عن عاصم " نجى المؤمنين " بنون واحدة مشددة الجيم . الباقون بنونين . وهي في المصحف بنون واحدة حذف الثانية كراهة الجمع بين المثلين فى الخط ، ولأن النون الثانية تخفى مع الجيم ، ومع حروف الفم ، ولا تظهر ، ولذلك ظن قوم أنها ادغمت في الجيم ، فقرؤها مدغماً ، وليس بمدغم . ولا وجه لقراءة عاصم هذه ولا لقول أبي عبيدة حاكياً عن أبي عمرو : ان النون مدغمة ، لانها لا تدغم في الجيم . وقال الزجاج : هذا لحن ، ولا وجه لمن تأوله : نجى النجا المؤمنين ، كما لا يجوز ضرب زيداً بمعنى ضرب الضرب زيداً . وقال الفراء : هو لحن . وقال قوم - محتجين لأبي بكر - انه أراد فعلا ماضياً ، على ما لم يسم فاعله ، فاسكن الياء ، كما قرأ الحسن { وذروا ما بقي من الربا } أقام المصدر مقام المعفول الذي لا يذكر فاعله ، فكذلك نجى النجا المؤمنين ، واحتجوا بأن أبا جعفر قرأ { ليجزي قوماً } في الجاثية على تقدير لنجزي الجراء قوماً قال الشاعر . @ ولو ولدت قفيرة جر وكلب لسب بذلك الجر والكلابا @@ ثم قال تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) واذكر { زكريا إذ نادى ربه } أي دعاه ، فقال يا { رب لا تذرني فرداً } أي وحيداً ، بل ارزقني ولداً . ثم قال { وأنت خير الوارثين } ومعناه أنت خير من يرث العباد من الأهل والولد ، فقال الله تعالى إنا استجبنا دعاءه { وهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه } قال قتادة : إنها كانت عقيماً فجعلها الله ولوداً . وقيل : كانت سيئة الخلق ، فرزقها الله حسن الخلق . ثم اخبر { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } أي يبادرون فى فعل الطاعات { ويدعون } الله { رغبة } في ثوابه { ورهبة } من عقابه { وكانوا } لله { خاشعين } متواضعين . وقال الجبائي : إجابة الدعاء لا تكون إلا ثواباً . وقال ابن الاخشاذ : يجوز أن تكون استصلاحاً لا ثواباً ، ولذلك لا يمتنع أن يجيب الله دعاء الكافر والفاسق . فأما قولهم : فلان مجاب الدعوة ، فلا يجوز اطلاقه على الكفار والفساق ، لأن فيه تعظيماً وأن له منزلة جليلة عند الله . والامر بخلاف ذلك .