Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 17-22)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اقسم الله تعالى لأن { إن } يتلقى بها القسم ، فأقسم تعالى { إن الذين آمنوا } بالله وصدقوا بوحدانيته وصدقوا أنبياءه { والذين هادوا } يعني اليهود { والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } مع الله غيره { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } فخبر { إن الذين آمنوا } قوله { إن الله يفصل } فدخل { إن } على الخبر تأكيداً ، كما يقول القائل : إن زيداً إن الخير عنده لكثير ، وقال جرير : @ إنَ الخليفة ان الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم @@ وقال الفراء لا يجوز أن تقول : إن زيداً انه صائم لاتفاق الاسمين . قال الزجاج : يجوز ذلك ، وهو جيد بالغ . ومعنى قوله { يفصل بينهم } يعني إن الله يفصل بين الخصوم في الدين يوم القيامة بما يضطر الى العلم بصحة الصحيح ويبيض وجه المحق ، ويسود وجه المبطل . والفصل هو التمييز بين الحق والباطل . وإظهار احدهما من الآخر . وقوله { إن الله على كل شيء شهيد } أي عالم بما من شأنه أن يشاهد ، فالله تعالى يعلمه قبل أن يكون ، لأنه علام الغيوب . ثم خاطب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به جميع المكلفين فقال { ألم تر } ومعناه ألم تعلم { أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض } من العقلاء . ويسجد له { الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب } فسجود الجماد هو ما فيه من ذلة الخضوع التي تدعو العارفين الى السجود ، سجود العبادة لله المالك للامور ، وسجود العقلاء هو الخضوع له تعالى والعبادة له . وقوله { من في السماوات ومن في الأرض } وإن كان ظاهره العموم ، فالمراد به الخصوص إذا حملنا السجود على العبادة والخضوع ، لأنا علمنا أن كثيراً من الخلق كافرون بالله تعالى . فلذلك قال { وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب } ارتفع { كثير } بفعل مقدر ، كأنه قال { وكثير } أبى السجود ، فـ { حق عليه العذاب } دل عليه ، لانهم يستحقون العقاب بجحدهم وحدانية الله ، وإشراكهم معه غيره . وقيل : سجود كل شيء - سوى المؤمنين - سجود ظله حين تطلع الشمس وحين تغيب - فى قول مجاهد - كأنه يجعل ذلك لما فيه من العبرة بتصريف الشمس فى دورها عليه سجوداً . وقوله { وكثير حق عليه العذاب } يعني لا بائه السجود . وقيل : بل هو يسجد بما يقتضيه عقله من الخضوع ، وإن كفر بغير ذلك من الامور ، وأنشدنا في السجود بمعنى الخضوع قول الشاعر : @ بجمع تضل البلق في حجراته ترى الاكم فيها سجداً للحوافر @@ وقوله { ومن يهن الله فما له من مكرم } معناه من يهنه الله بالشقوة بادخاله جهنم { فما له من مكرم } بالسعادة بادخاله الجنة ، لأنه الذي يملك العقوبة والمثوبه { إن الله يفعل ما يشاء } يعني يكرم من يشاء ، ويهين من يشاء إذا استحق ذلك . وقوله { هذان خصمان } يعنى الفريقين من المؤمنين والكفار يوم بدر ، وهم حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن أبي ربيعة ، وعلي بن أبي طالب ( ع ) قتل الوليد بن عتبة ، وعبيدة بن الحارث قتل شيبة بن ربيعة - فى قول ابي ذر - وقال ابن عباس : هم اهل الكتاب ، وأهل القرآن . وقال الحسن ومجاهد وعطاء : هم المؤمنون والكافرون { اختصموا في ربهم } لان المؤمنين قالوا بتوحيد الله وأنه لا يستحق العبادة سواه . والكفار اشركوا معه غيره ، وانما جمع قوله { اختصموا } لأنه أراد ما يختصون فيه او أراد بالخصمين القبيلتين وخصومهم . ثم قال تعالى { فالذين كفروا } بالله وجحدوا وحدانيته { قطعت لهم ثياب من نار } ومعناه إن النار تحيط بهم كاحاطة الثياب التي يلبسونها . و { يصب من فوق رؤسهم الحميم } روي في خبر مرفوع : انه يصب على رؤسهم الحميم ، فينفذ الى أجوافهم فيسلب ما فيها . والحميم الماء المغلي . وقيل : ثياب نحاس من نار تقطع لهم ، وهي أشد ما يكون حمى . وقوله { يصهر به ما في بطونهم والجلود } فالصهر الاذابة . والمعنى يذاب بالحميم الذي يصب من فوق رؤسهم ما في بطونهم من الشحوم وتساقط من حره الجلود . تقول : صهرت الالية بالنار إذا أذبتها ، أصهرها صهراً قال الشاعر : @ تروي لقى ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر @@ يعني ولدها ، وتروي معناه أن تحمل له الماء في حوصلتها ، فتصير له رواية كالبعير الذي يحمل عليه الماء ، يقال : رويت للقوم إذا حملت لهم الماء . واللقي كل شيء ملقى من حيوان او غيره ، وقال الآخر : @ شك السفافيد الشواء المصطهر @@ وقوله تعالى { ولهم مقامع من حديد } فالمقامع جمع مقمعة ، وهي مدقة الرأس . ومثله المنقفة ، قمعه قمعاً إذا ردعه عن الأمر . فالزبانية بأيديهم عمد من حديد يضربون بها رؤسهم إذا أرادوا الخروج من النار من الغم الذي يلحقهم ، والعذاب الذي ينالهم ردوا بتلك المقاطع فيها وأعيدوا الى حالتهم التي كانوا فيها من العقاب . وقيل : يرفعهم زفيرها حتى إذا كادوا أن يخرجوا منها ضربوا بالمقامع ، حتى يهووا فيها . وقيل : لهم ذوقوا عذاب الحريق ، فالذوق طلب ادراك الطعم ، فهو اشد لاحساسه عند تفقده وطلب ادراك طعمه . فأهل النار يجدون ألمها وجدان الطالب لادراك الشيء ، والحريق الغليظ من النار المنتشر العظيم الاهلاك . وقيل : هو بمعنى محرق كأليم بمعنى مؤلم ، فهؤلاء أحد الخصمين ، والآخرون هم المؤمنون الذين وصفهم في الآية بعدها .