Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 41-45)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو عمرو وحده " أهلكتها " بالتاء . لقوله في الآية التي فيما بعد { فأمليت } . الباقون { أهلكناها } بالنون . يقول الله تعالى { الذين إن مكناهم في الأرض } فـ { الذين } صفة من تقدم ذكره من المهاجرين في سبيل الله ، وموضعه النصب ، وتقديره { لينصرن الله من ينصره … الذين إن مكناهم } ومعناه أعطيناهم كل ما لا يصح الفعل إلا معه ، لان التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل ، فان كان هذا الفعل لا يصح إلا بآلة ، فالتمكين باعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة ، وكذلك ان كان لا يصح الفعل إلا بعلم ، ونصب دلالة ، وصحة سلامة ، ولطف وغير ذلك ، فاعطاء جميع ذلك واجب . وإن كان الفعل يكفي - في صحة وجوده - مجرد القدرة ، فخلق القدرة هو التمكين . ثم وصفهم . فقال : هؤلاء الذين هاجرو فى سبيل الله ، { إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة } يعني ادوها بحقوقها ، وقيل : معناه داموا عليها { وآتوا الزكاة } أي واعطوا ما افترض الله عليهم في أموالهم من الزكوات وغيرها { وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } . وفي ذلك دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، لأن ما رغب الله فيه ، فقد اراده ، وكل ما أراده من العبد ، فهو واجب إلا أن يقوم دليل على ذلك انه نفل ، لان الاحتياط يقتضي ذلك . و { المعروف } هو الحق ، وسمي معروفاً لأنه تعرف صحته . وسمي المنكر منكراً ، لأنه لا يمكن معرفة صحته . وقوله { ولله عاقبة الأمور } معناه تصير جميع الأملاك لله تعالى ، لبطلان كل ملك سوي ملكه . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) مسلياً له عن تكذيب قومه له وقلة قبولهم منه : { وإن يكذبوك } يا محمد في ما تدعيه من النبوة { فقد كذبت قبلهم قوم نوح } نوحا ، وكذبت قوم { عاد } هوداً وقوم { ثمود } صالحاً { وقوم إبراهيم } ابراهيم { وقوم لوط } لوطاً { وأصحاب مدين } شعيباً { وكذب } اصحاب موسى { موسى } وانما قال { وكذب موسى } ولم يقل وقوم موسى ، لأن قومه بني اسرائيل ، وكانوا آمنوا به وإنما كذبه قوم فرعون { فأمليت للكافرين } اي أخرت عقابهم وحلمت عنهم { ثم أخذتهم } فاستاصلتهم بانواع الهلاك { فيكف كان نكير } أي عذابي لهم ، وانما اقتصر على ذكر أقوام بعض الانبياء ، ولم يسم أنبياءهم ، لدلالة الكلام عليه . ثم قال تعالى { وكأين من قرية } معناه وكم من أهل قرية { أهلكناها } لما استحقوا الاهلاك في حال كونها { ظالمة } لنفسها { فهي خاوية على عروشها } أي اهلكناها في حال كونها ظالمة لنفسها حتى تهدمت الحيطان على السقوف . وقال الضحاك على عروشها سقوفها . وقوله { وبئر معطلة وقصر مشيد } معناه وكم من بئر معطلة أي لا أهل لهاء والتعطيل ابطال العمل بالشيء ولذلك قيل للدهري : معطل ، لانه ، أبطل العمل بالعلم على مقتضى الحكمة . ويقال : خوت الدار خواء ، ممدود وهي خاوية ، وخوى جوف الانسان من الطعام خوى ، مقصور ، وهو خاو . وقيل في خفض { وبئر معطلة وقصر مشيد } قولان : احدهما - بالعطف على قرية ، فيكون المعنى إهلاكاً كالقرية . والثاني - بالعطف على العروش ، فيكون المعنى ان بها البئر المعطلة والقصر المشيد . ومعنى وقصر مشيد أي مجصص ، والشيد الجص - في قول عكرمة ومجاهد - وقال قتادة : معناه رفيع ، وهو المرفوع بالشيد . وقال عدي بن زيد : @ شاده مرمراً وجلله كا ساً فللطير في ذراه وكور @@ وقال امرؤ القيس : @ وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أجماً إلا مشيداً بجندل @@ وقال آخر : @ كحية الماء بين الطين والشيد @@ ويقال شدته أشيده إذا زينته . وقال الكلبي قصر مشيد : معناه حصين . وقيل : ان البئر والقصر معروفان باليمين . وفي تفسير أهل البيت إن معنى { وبئر معطلة } أي وكم من عالم لا يرجع اليه ، ولا ينتفع بعلمه ، ولا يلتفت اليه . ومعنى الآية : أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بكفرهم وأبادهم بمعصيتهم ، ليروا من تلك الاثار بيوتاً خاوية ، قد سقطت على عروشها ، وبئر الشرب قد باد أهلها وعطل رساوها وغار معينها وقصراً مشيداً مزيناً بالجص ، قد خلا من السكن ، وتداعى بالخراب ، فيتعظوا بذلك ، ويخافوا من عقوبة الله ، وبأسه الذي نزل بهم .