Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 46-50)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " مما يعدّون " بالياء ، على الخبرعن الكفار . الباقون بالتاء ، على الخطاب . لما اخبر الله تعالى عن اهلاك الامم الماضية جزاء على كفرهم ومعاصيهم ، نبه الذين يرتابون بذلك . فقال { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } إذا شاهدوا آثار ما أخبرنا به ، وسمعوا صحة ما ذكرناه عمن أخبرهم بصحته من الذين عرفوا أخبار الماضين . وفيها دلالة على أن العقل هو العلم ، لان معنى { يعقلون بها } يعلمون بها مدلول ما يرون من العبرة . وفيها دلالة على أن القلب محل العقل والعلوم ، لأنه تعالى وصفها بأنها هي التي تذهب عن إدراك الحق ، فلولا أن التبيين يصح أن يحصل فيها ، لما وصفها بأنها تعمى ، كما لا يصح أن يصف اليد والرجل بذلك . والهاء في { إنها لا تعمى } هاء عماد ، وهو الاضمار على شروط التفسير ، وانما جاز أن يقول : ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، للتأكيد لئلا يتوهم بالذهاب الى غير معنى القلب ، لانه قد يذهب الى ان فيه اشتراكا كقلب النخلة ، فاذا قيل هكذا كان أنفى للبس بتجويز الاشتراك واما قوله { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } فلان القول قد يكون بغير الفم . والمعنى فى الآية ان الابصار وإن كانت عمياً ، فلا تكون فى الحقيقة كذلك ، اذا كان عارفاً بالحق . وانما يكون العمى عمى القلب الذي يجحد معه معرفة الله ووحدانيته . ثم قال { ويستعجلونك } يا محمد { بالعذاب } أن ينزل عليهم ، ويستبطؤنه ، وان الله لا يخلف ما يوعد به { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة : يوم من أيام الآخرة ، يكون كألف سنة من ايام الدنيا . وقال ابن زيد ، وفى رواية اخرى عن ابن عباس : انه أراد يوماً من الأيام التي خلق الله فيها السموات والارض . والمعنى { وإن يوماً عند ربك } من ايام العذاب ، في الثقل والاستطالة { كألف سنة مما تعدون } في الدنيا ، فكيف يستعجلونك بالعذاب لولا جهلهم ، وهو كقولهم : ايام الهموم طوال ، وايام السرور قصار . قال الشاعر : @ يطول اليوم لا القاك فيه ويوم نلتقي فيه قصير @@ وأنشد ابو زيد : @ تطاولن أيام معن بنا فيوم كشهرين اذ يستهل @@ وقال جرير : @ ويوم كأبهام الحبارى لهوته @@ وقيل { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } في طول الامهال للعباد لصلاح من يصلح منهم ، أو من نسلهم ، فكأنه ألف سنة لطوال الأناة . وقيل { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } فى مقدار العذاب فى ذلك اليوم ، أي انه لشدته وعظمه كمقدار عذاب ألف سنة من ايام الدنيا على الحقيقة . وكذلك نعيم الجنة ، لأنه يكون فى مقدار يوم السرور والنعيم مثل ما يكون في الف سنة من أيام الدنيا لو بقي ينعم ويلتذ فيها . ثم قال تعالى { وكم من قرية أمليت لها } فلاملاء والاملال والتأخير نظائر { وهي ظالمة } اي مستحقة لتعجيل العقاب ، لكن اخذتها وأهلكتها والي المصير ، لكل أحد ، بأن يزول ملك كل مالك ملك شيئاً في دار الدنيا . ثم قال لنبيه { قل يا أيها لناس إنما أنا لكم نذير مبين } اي مخوف من معاصي الله بعقابه ، مبين لكم ما يجب عليكم فعله ، وما يجب عليكم تجنبه { فالذين آمنوا } اي صدقوا بالله واقروا برسله { لهم مغفرة } من الله تعالى لمعاصيهم ولهم { رزق كريم } اي مع اكرامهم بالثواب الذي لا يقاربه تعظيم وتبجيل .