Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 71-75)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الله تعالى مخبراً عن حال الكفار الذين يعبدون مع الله الاصنام ، والاثان : انهم { يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً } أي لا حجة ولا برهاناً ، وإنما قيل للبرهان سلطان ، لانه يتسلط على انكار المنكر ، فكل محق فى مذهبه ، فله برهان يتسلط به على الانكار لمذهب خصمه . وقوله { وما ليس لهم به علم } معناه ولا هو معلوم لهم ايضاً من جهة الدلالة ، لان الانسان قد يعلم صحة أشياء يعمل بها من غير برهان أدى اليها كعلمه بوجوب شكر المنعم ، ووجوب رد الوديعة ، ومدح الحسن وذم المسيء ، وغير ذلك ، مما يعلمه بكمال عقله ، وإن لم يكن معلوماً بحجة ، فلذلك قال { وما ليس لهم به علم } . ثم اخبر انه ليس { للظالمين } أنفسهم بارتكاب المعاصي وترك المعرفة بالله من ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم . ثم اخبر تعالى عن حال الكفار وشدة عنادهم ، فقال { وإذا تتلى عليهم آياتنا } يعني من القرآن وغيره من حجج الله تعالى الظاهرات البينات { تعرف } يا محمد { في وجوه الذين كفروا } بنعم الله ، وجحدوا ربوبيته { المنكر } من القول { يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا } فالسطوة اظهار الحال الهائلة للاخافة ، يقال : سطا عليه سطوة وسطواً وسطا به ايضاً فهو ساط . والانسان مسطو به . والانسان يخاف سطوات الله ونقماته . والسطوة والاستطالة والبطشة نظائر في اللغة . والمعنى إن هؤلاء الكفار إذا سمعوا آيات الله تتلى عليهم ، قاربوا أن يوقعوا بمن يتلوها المكروه . ثم قال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) { قل } يا محمد { أفأنبؤكم بشر من ذلكم } أي بشر من اعتدائكم على التالي لآيات الله . وقيل : بشر عليكم مما يلحق التالي منهم . ثم ابتدأ فقال { النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير } وقيل التقدير كان قائلا قال ما ذلك الشر ؟ فقيل { النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير } اي بئس الموضع ، وكان يجوز في { النار } الجر على البدل من { ذلكم } لأنه في موضع جر بـ { من } وكان يجوز النصب بمعنى أعرفكم شراً من ذلكم النار ، والذي عليه القراء الرفع . ثم اخبر تعالى عن النار بأن الله وعدها الذين كفروا وبئس المرجع . ثم خاطب جميع المكلفين من الناس ، فقال { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } يعني ضرب مثل ، جعل ، كقولهم ضرب على أهل الذمة الجزية ، لأنه كالتثبيت شبهه بالضرب المعروف ، وكذلك الضربة . والمثل : شبه حال الثاني بالأولى فى الذكر الذي صار كالعلم . ومن حكم المثل أن لا يتغير ، لأنه صار كالعلم . كقولهم " أطري انك فاعلة " . ثم قال { إن الذين تدعون من دون الله } قرأ يعقوب بالياء على الخبر الباقون بالتاء على الخطاب ، كقوله { يا أيها الناس } . والذي عبدوه من دون الله الأصنام والاوثان { لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } على ذلك وعاون بعضهم بعضاً مع صغر الذباب ، فكيف بالعظيم من الاشياء . ثم زاد في ضرب المثل ، فقال { وإن يسلبهم الذباب شيئاً … } يعني هؤلاء الكفار ، ومن جرى مجراهم لو سلبهم الذباب شيئاً وطار ، لما قدروا على استنقاذه منه وتخليصه من يديه . ثم اخبر تعالى بانه { ضعف الطالب } يعني من الأوثان { والمطلوب } من الذباب - وهو قول ابن عباس - ولم يأت بالمثل ، لأن فى الكلام دلالة عليه ، كأنه قال يا أيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذباباً ، فلم يقدروا عليه ، وإن يسلبها الذباب شيئاً ، فلم تستنقذه منه . ومثل ذلك فى الحذف قول امرئ القيس : @ وجدك لو شيء اتانا رسوله سواك ولكن لم نجد عنك مدفعاً @@ وتقديره لو أتانا رسول غيرك لرددناه وفعلنا به ، ولكن لم نجد عنك مدفعاً ، فاختصر لدلالة الكلام عليه . وقال قوم : اراد أن الكافرين جعلوا لي الامثال من الاصنام التي عبدوها فاستمعوا لما ضرب لي من الامثال . ثم أخبر عنها كيف هي ، وكيف بعدها مما جعلوه مثلا ، ويدل عليه قوله { ما قدروا الله حق قدره } واختلفوا في معنى { ما قدروا الله حق قدره } فقال الحسن : معناه ما عظموه حق عظمته ، إذ جعلوا له شريكاً فى عبادته . وهو قول المبرد والفراء . وقال قوم : معناه ما عرفوه حق معرفته . وقال آخرون : ما وصفوه حق صفته . وهو مثل قول أبي عبيدة . قال : يقول القائل : ما عرفت فلاناً على معرفته ، اي ما عظمته حق تعظيمه . وفي ذلك دلالة على أن من جوز عبادة غير الله فهو كافر ، وكذلك من جوز ان يكون المنعم - بخلق النفس ، والبصر ، والسمع ، والعقل - غير الله ، فهو كافر بالله . ثم اخبر تعالى عن نفسه ، فقال { إن الله لقوي } أي قادر على ما يصح ان يكون مقدوراً { عزيز } لا يقدر احد على منعه . ثم قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلاً } أي يختار منهم من يصلح للرسالة { ومن الناس } أي ويختار من الناس ايضاً مثل ذلك . وفى ذلك دلالة على انه ليس جميع الملائكة رسلا ، لأن ( من ) للتبعيض عند اهل اللغة ، وكما ان الناس ليس جميعهم أنبياء فكذلك الملائكة . وقوله { إن الله سميع بصير } أي يسمع جميع ما يدرك بالسمع من الاصوات ودعاء من يدعوه خالصاً ، ودعاء من يدعو على وجه الاشراك به بصير بأحوالهم .