Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-16)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن عامر وابو بكر عن عاصم " عظماً " في الموضعين على التوحيد . الباقون على الجمع . فمن وحد ، فلأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير . ومن جمع ، فلقوله { أإذا كنا عظاماً ورفاتاً } وقوله { أإذا كنا عظاماً نخرة } وقوله { من يحيي العظام } وما أشبه ذلك . يقول الله تعالى على وجه القسم ، انه : خلق { الإنسان من سلالة من طين } فقال ابن عباس ومجاهد : المراد بالانسان كل انسان ، لانه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة . وقال قتادة : المراد بالانسان آدم ، لانه استل من أديم الأرض . وقيل : استل من طين . والسلالة صفوة الشيء التي تخرج منه ، كأنها تستل منه . والسلالة صفوة الشيء التي تجري قبل ثفله ، وكدره ، لانها متقدمة على ثفله ، كتقديم السلف والاجر على الآخرة . وقد تسمى النطفة سلالة والولد أيضاً سلالة وسليلة . والجمع سلالات ، وسلائل ، قال الشاعر : @ وهل كنت إلا مهرة عربية سليلة أفراس تجللها بغل @@ وقال آخر : @ فجاءت به عضب الاديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين @@ وقال آخر : @ يقذفن فى أسلابها بالسلائل @@ وقال آخر : @ إذا نتجت منها المهارى تشابهت على القود لا بالانوف سلائله @@ وفي الآية دلالة على أن الانسان هو هذا الجسم المشاهد ، لأنه المخلوق من نطفة ، والمستخرج من سلالة ، دون ما يذهب اليه قوم : من انه الجوهر البسيط ، او شيء لا يصح عليه النركيب والانقسام ، على ما يذهب اليه معمر وغيره . وقوله { ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } المعنى جعلنا الانسان ، وهو من ولد من نسل آدم { نطفة } وهي القطرة من ماء المني التي يخلق الله منها الحيوان ، على مجرى العادة في التناسل ، فيخلق الله من نطفة الانسان إنساناً ومن نطفة كل حيوان ما هو من جنسه . ومعنى { مكين } أي مكين لذاك ، بأن هيئ لاستقراره فيه الى بلوغ أمده الذي جعل له . وقوله { ثم خلقنا النطفة علقة } فالعلقة القطعة من الدم إذا كانت جامدة ، فبين الله تعالى أنه يصير تلك النطفة علقة ، ثم يجعل العلقة مضغة ، وهي القطعة من اللحم . ثم اخبر انه يجعل المضغة { عظاماً } . وقرئ " عظماً " وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم . فمن قرأ { عظاماً } أراد ما في الانسان من أقطاع العظم . ومن قرأ " عظماً " فلأنه اسم جنس يدل على ذلك . ثم بين تعالى انه يكسو تلك { العظام لحماً } ينشئه فوقها ، كما تكسى الكسوة . وقوله ثم { انشأناه خلقاً آخر } يعني بنفخ الروح فيه - فى قول ابن عباس ومجاهد - وقيل : نبات الأسنان والشعر ، واعطاء العقل والفهم . وقيل { خلقاً آخر } معناه ذكر او انثى . ثم قال { فتبارك الله أحسن الخالقين } ومعنى { تبارك } استحق التعظيم بأنه قديم لم يزل ، ولا يزال ، وهو مأخوذ من البروك ، وهو الثبوت . وقوله { أحسن الخالقين } فيه دلالة على ان الانسان قد يخلق على الحقيقة ، لانه لو لم يوصف بخالق إلا الله ، لما كان لقوله { أحسن الخالقين } معنى . وأصل الخلق التقدير ، كما قال الشاعر : @ ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري @@ ثم خاطب الخلق . فقال { ثم إنكم } معاشر الخلق بعد هذا الخلق والاحياء { لميتون } أي تموتون عند انقضاء آجالكم . يقولون لمن لم يمت ويصح عليه الموت : ميت ومائت . ولا يقولون لمن مات : مائت . وكذلك فى نظائره سيد وسائد . وقوله { ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } أي تحشرون إلى الموقف والحساب والجزاء بعد أن كنتم أمواتاً ، ولا يدل ذلك على أنه لا يحييهم فى القبور للمساءلة ، لان قوله : انه يميتهم عند فناء آجالهم ويبعثهم يوم القيامة ، لا يمنع من أن يحييهم فيما بين ذلك ، ألا ترى أن القائل لو قال : دخلت بغداد فى سنة مئة ، وخرجت منها فى سنة عشر ومئة ، لم يدل على أنه لم يخرج فيما بينهما وعاد ، فكذلك الآية . على ان الله تعالى اخبر انه أحيا قوماً ، فقال لهم الله موتوا ، ثم أحياهم ، فلا بد من تقدير ما قلناه للجميع . وفيه دلالة على بطلان قول معمر ، والنظام فى الانسان .