Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 21-25)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن عامر ونافع وابو بكر عن عاصم " نسقيكم " بفتح النون . الباقون بضمها . قال بعضهم : هم لغتان سقيت وأسقيت ، قال الشاعر : @ سقى قومي بني مجد واسقى نميراً والقبائل من هلال @@ ولا يجوز ان يكون المراد في البيت ( وأسقى ) مثل قوله { وأسقيناكم ماء فراتاً } لأنه لا يكون قد دعا لقومه وخاصته بدون ما دعا للاجنبي البعيد عنه . والصحيح ان سقيت للشفة واسقيت للانهار والانعام تقول : دعوت الله ان يسقيه . ومن قرأ بضم النون أراد : انا جعلنا ما في ضروعها من الالبان سقياً لكم ، كما يقال : أسقيناهم نهراً إذا جعلته سقياً لهم ، وهذا كأنه اعم ، لان ما هو سقياً لا يمتنع أن يكون للشفة ، وما يكون للشفة - فقط - يمتنع أن يكون سقياً . وما أسقانا الله من البان الانعام أكثر مما يكون للشفة ومن فتح النون جعل ذلك مختصاً به الشفاه دون المزارع والمراعي ، فلم يكن مثل الماء فى قوله { فأسقيناكموه } وقوله { وأسقيناكم ماء فراتاً } لأن ذلك يصلح للامرين ، ومن ثم قال { وسقاهم ربهم شراباً طهوراً } وانما قال ها هنا { مما في بطونها } وفي النحل { بطونه } لانه إذا أنث ، فلا كلام لرجوع ذلك الى الانعام . وإذا ذكر فلأن النعم والانعام بمعنى واحد ، ولئن التقدير : ونسقيكم من بعض ما فى بطونه . يقول الله تعالى { وإن لكم } معاشر العقلاء { في الأنعام } وهي الماشية التي تمشي على نعمة في مشيها ، خلاف الحافر فى وطئها ، وهي الابل والبقر والغنم { لعبرة } يعني دلالة تستدلون بها على توحيد الله ، وصفاته التي يختص بها دون سواه . وقوله { نسقيكم مما في بطونها } فالسقي اعطاء ما يصلح للشرب ، فلما كان الله تعالى قد أعطى العباد ألبان الأنعام ، باجرائه فى ضروعها ، وتمكينهم منها ، من غير حظر لها ، كان قد سقاهم اياها . ثم قال { ولكم فيها } يعني في الانعام { منافع كثيرة } ولذات عظيمة ، ببيعها والتصرف فيها وأكل لحومها ، وشرب ألبانها ، وغير ذلك من الانتفاع باصوافها وأوبارها ، واشعارها ، وغير ذلك { ومنها تأكلون } يعني اللحم ، وغيره من الألبان وما يعمل منها . ثم قال : ومن منافعها انكم تحملون عليها الاثقال في اسفاركم بأن تركبوها وتحملوا عليها اثقالكم . ومثل ذلك على الفلك ، وهي السفن . ثم اقسم تعالى انه أرسل نوحاً الى قومه ، يدعوهم إلى الله ، ويقول لهم { اعبدوا الله } وحده لا شريك له ، فانه لا معبود لكم غيره . ويحذرهم من عقابه ، ويقول { أفلا تتقون } نقمة الله بالاشراك معه فى العبادة . ثم حكى أن الملأ وهم - جماعة اشراف قومه - الكفار ، قال بعضهم لبعض : ليس نوح هذا إلا مخلوقاً مثلكم ، وبشر مثلكم ، وليس بملك { يريد أن يتفضل عليكم } فيسودكم ويترأسكم وان يكون افضل منكم { ولو شاء الله } ما قاله من توحيده واختصاصه بالعبادة { لأنزل ملائكة } عليكم يدعونكم الى ذلك . ثم قالوا { ما سمعنا بهذا } يعنى بما قال نوح ، وبمثل دعوته . وقيل بمثله بشراً أتى برسالة من ربه فى اسلافنا الماضين وابائنا واجدادنا الذين تقدمونا . ثم قالوا : { إن هو إلا رجل به جنة } اي ليس هذا - يعنون نوحاً - إلا رجلا به جنة أي تعتاده غمرة تنفي عقله حتى يتخيل اليه ما يقوله ويخرجه عن حال الصحة وكمال العقل ، فكان اشراف قومه يصدون الناس عن اتباعه ، بما حكى الله عنهم ، وقالوا : انه لمجنون يأتي بجنونه بمثل هذا . ويحتمل أن يكونوا أرادوا كأنه فى طعمه فيما يدعو اليه مجنون . ثم قال بعضهم لبعض : { تربصوا به حتى حين } اي الى وقت ما ، كأنهم قالوا لهم تربصوا به الهلاك وتوقعوه .