Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 31-36)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو جعفر { هيهات هيهات } بكسر التاء . الباقون بفتحها . ولا خلاف فى ترك التنوين فيهما . يقول الله تعالى { إنا أنشأنا } واخترعنا ، من بعد إهلاك قوم نوح بالطوفان { قوماً آخرين } والانشاء والاختراع واحد ، وكلما يفعل الله تعالى ، فهو إنشاء واختراع . وقد يفعل الله تعالى الفعل عن سبب بحسب ما تقتضيه المصلحة . والقرن أهل العصر لمقارنة بعضهم لبعض ، ومنه قرن الكبش لمقارنته القرن الآخر ، ومنه القرينة ، وهي الدلالة التي تقارن الكلام . وقوله { فأرسلنا فيهم رسولاً منهم } اخبار منه تعالى انه أرسل رسولا فى القرن الذي انشاهم من بعد قوم نوح . وقال قوم : هو صالح وقيل : هود ، لأنه المرسل بعد نوح { أن اعبدو الله ما لكم من إله غيره } أي ارسلناه بأن يقول لهم : اعبدوا الله وحده لا شريك له . ويقول لهم : ما لكم معبود سواه ، وأن يخوفهم إذا خالفوه . ويقول لهم { أفلا تتقون } عذاب الله ، واهلاكه بارتكاب معاصيه ، فموضع ( أن ) من الاعراب نصب . وتقديره بأن اعبدوا الله ، فلما حذفت الباء نصب بـ { أرسلنا } . وقوله { وقال الملأ من قومه } يعني - الاشراف ، ووجوههم - قالوا لغيرهم { الذين كفروا } بالله وكذبوا بآياته وحججه وبيناته ، وجحدوا { وكذبوا بلقاء الآخرة } والبعث والنشور يوم القيامة . وقوله { وأترفناهم في الحياة الدنيا } والاتراف التنعم بضروب الملاذ ، وذلك أن التنعيم قد يكون بنعيم العيش ، وقد يكون بنعيم الملبس ، فالاتراف بنعيم العيش قال الراجز : @ وقد أراني بالديار مترفاً @@ وقوله { ما هذا إلا بشر مثلكم } أي ليس هذا الذي يدعي النبوة من قبل الله إلا بشراً مثلكم { يأكل مما تأكلون منه } من الاطعمة { ويشرب مما تشربون منه } من الاشربة . ثم قالوا لهم { لئن أطعتم بشراً مثلكم } وعلى هيئتكم وأحوالكم { إنكم إذاً لخاسرون } فجعلوا اتباع الرسول خسرانا ، لأنه بشر مثلهم ، ولم يجعلوا عبادة الصنم خسراناً ، لانه جسم مثلهم ، وهذا مناقضة ظاهرة . ثم حكى انهم قالوا لغيرهم { أيعدكم } هذا الذي يدعي النبوة من قبل الله { أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً } ورفاتاً { إنكم مخرجون } وقيل في خبر { إن } الاول قولان : احدهما - انه قوله { مخرجون } وتكون الثانية للتأكيد . والثاني - ان يكون الخبر الجملة ، وتقديره : أيعدكم انكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إخراجكم . ونظير تكرير ( ان ) قوله { ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم } يعني فله نار جهنم - ذكره الزجاج - إلا ان هذه الثانية عملت فى غير ما عملت فيه الأولى . وإنما هي بمنزلة المكرر في المعنى . وموضع " إنكم " الأولى نصب ، وتقديره : ايعدكم بأنكم . وموضع { إن } الثانية كموضع الأولى ، وانما ذكرت تأكيداً ، والمعنى : أيعدكم أنكم تخرجون إذا متم ، فلما بعد ما بين ( ان ) الأولى ، والثانية بقوله { إذا كنتم تراباً وعظاماً } أعيد ذكر ( أن ) . ثم قالوا لهم { هيهات هيهات لما توعون } من البعث ، والنشور ، والجزاء بالثواب والعقاب . ومعنى " هيهات " بعد الأمر جداً حتى امتنع ، وهو بمنزلة ( صه . ومه ) إلا ان هذه الأصوات الأغلب عليها الأمر والنهي وهذا فى الخبر ونظيره ( شتان ) أي بعدما بينهما جداً ، وانما لم تتمكن هذه الاصوات فى الأسماء يخروجها إلى شبه الافعال التي هي معانيها ، وليست مع ذلك افعالا ، لانه لا يضمر فيها ، ولا لها تصرف الأفعال في أصلها ، وانما جعلت هكذا ، للافهام بما تفهم به البهيمة من الزجر بالأصوات ، على هذه الجملة . وقال ابن عباس : معنى ( هيهات ) بعيد بعيد . والعرب تقول : ( هيهات ) لما تبغي ، وهيهات ما تبعي ، قال جرير : @ فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات وصل بالعقيق نواصله @@ ويروى أيهات . وكان الكسائي : يقف بالهاء ، فيقول : هيهاة ، على قياس هاء التأنيث في الواحد زائدة نحو ( علقاة ) واختار الفراء الوقف بالتاء ، لأن قبلها ساكناً ، فصارت كما تقول : بنت وأخت . قال : ولأن من العرب من يخفض التاء ، فدل ذلك على انها ليست بهاء التأنيث ، وانما هي بمنزلة دراك ، ونظار ماله . ومن وقف بالهاء جعلها كالادارة وقال الزجاج : يجوز هيهات وهيهتاً وهيهاتاً بالتنوين ، وترك التنوين . قال الاخفش : يجوز فتح التاء وكسرها ومنهم من يجعل بدل الهاء همزة ، فيقول : أيهات ، وهي لغة تميم ، غير انهم يكسرون التاء . ومن العرب من إذا جعلها فى موضع إسم قال : لم أره مذ أيهات من النهار - بضم التاء - وتنوينها . ومنهم من يجعل مكان التاء نوناً ، فيقول : ايهان واحدها أيها ، قال الشاعر :