Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 41-46)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قال الله تعالى لصالح ( ع ) انه عما قليل يصبح هؤلاء الكفار نادمين ، على ما فعلوا . حكى الله أنهم { أخذتهم الصيحة بالحق } والصيحة الصوت الشديد الذي يفزع منها ، فأهلك الله تعالى ( ثمود ) بالصيحة وهي صيحة تصدعت منها القلوب . وقوله { بالحق } معناه على وجه الحق ، وهو أخذهم بالعذاب من أجل ظلمهم ، باذن ربهم وهو وجه الحق . ولو أخذوا بغير هذا ، لكان أخذاً بالباطل ، وهو كأخذ كل واحد بذنب غيره . وقوله { فجعلناهم غثاء } فالغثاء القش الذي يجيء به السيل على رأس الماء : قصب وحشيش وعيدان شجر وغير ذلك . وقيل : الغثاء البالي من ورق الشجر ، إذا جرى السيل رأيته مخالطاً زبده . وقوله { فبعداً لقوم لا يؤمنون } معناه بعداً لهم من الرحمة ، وهي كاللعنة التي هي ابعاد من رحمة الله ، وقالوا فى الدعاء على الشيء : بعداً له ، ولم يقولوا فى الدعاء له قرباً له أي من الرحمة لانهم طلبوا الانغماس فى الرحمة ، فتركوا التقابل لهذه العلة . وقال ابن عباس ومجاهد . وقتادة : الغثاء المتفتت البالي من الشجر يحمله السيل . وقيل : ان الله بعث ملكاً صاح بهم صيحة ماتوا عندها عن آخرهم . ثم اخبر تعالى فقال { وأنشأنا من بعدهم } يعني بعد هؤلاء الذين أهلكهم بالصيحة { قروناً } أي أمماً { آخرين } واخبر انه { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون } وهذا وعيد لهؤلاء المشركين ، ومعناه إن كل أمة لها أجل ووقت مقدر قدره الله لها إذا بلغته لا تؤخر عنه ولا تقدم عليه ، بل تهلك عنده . والأجل : هو الوقت المضروب لحدوث أمر من الامور ، وليس الأجل الوقت المعلوم أنه يحدث فيه أمر من الامور ، لان التأجيل فعل يكون به الوقت أجلا لأمر ، وما فى المعلوم ليس بفعل . والأجل المحتوم لا يتأخر ولا يتقدم . والأجل المشروط بحسب الشرط . والمعنى في الأجل المذكور - في الآية - الأجل المحتوم . ثم اخبر تعالى انه ارسل بعد ان أهلك من ذكره { رسلا تترا } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتنوين . الباقون بغير تنوين ، ولا خلاف في الوقف انه بألف . فمن نون لم يمل في الوقف ، ومن لم ينون فمنهم من يميل ، ومنهم من لا يميل . والمواترة المتابعة . وقيل : هي المواصلة يقال : واترت بين الخبرين أي تابعت بينهما . وقال ابن عباس ومجاهد ، وابن زيد : معنى " تترا " أي متواترين يتبع بعضهم بعضاً ، وهي ( فعلى ) من المواترة فمن صرفها جعل الألف للالحاق ، ومن لم يصرفها جعلها للتأنيث ، ويقال : جاءت كتبه تترى . وأصل ( تترى ، وترى ) من وترت ، فقلبت الواو تاء لكراهتهم الواو أولا ، حتى لم يزيدوها هناك البتة مع شبهها بالتاء فى اتساع المخرج ، والقرب في الموضع . وأصله فى المعنى الاتصال ، فمنه الوتر الفرد عن الجمع المتصل ، ومنه الوتر لاتصاله بمكانه من القوس . ومنه وترت الرجل أي قطعته بعد اتصال . ثم اخبر تعالى انه { كلما جاء أمة رسولها } الذي بعثه الله اليهم { كذبوه } ولم يقروا بنبوته . وقوله { فأتبعنا بعضهم بعضاً } يعني في الاهلاك أي أهلاكنا قوماً بعد قوم { وجعلناهم أحاديث } يتحدثون بهم على وجه المثل في الشر ، وهو جمع احدوثة . ولا يقال في الخير لأن الناس يفسرون في الحديث بأسباب الشر أكثر وأغلب . ثم قال تعالى { فبعداً } من رحمة الله ورسوله { لقوم لا يؤمنون } أي لا يصدقون بواحدنيته فيقرون بالبعث والنشور والجزاء . ثم اخبر تعالى انه أرسل - بعد إهلاك من ذكره - { موسى وهارون } نبيين { بآياتنا وسلطان مبين } بأدلة من الله وحجج ظاهرة { إلى فرعون وملائه } يعني قومه { فاستكبروا وكانو قوماً عالين } والملأ الجماعة التي تملأ الصدر هيبتهم ، وهم أشراف القوم ورؤساؤهم ، وخصوا بالذكر ، لأن من دونهم أتباع لهم . فلما استكبروا وردوا دعوة الحق تبعهم غيرهم ممن هو دونهم . وقوله { فاستكبروا } اى تكبروا وتجبروا عن الاجابة لهما ، وطلبوا بذلك الكبر ، فكل مستكبر من العباد جاهل ، لانه يطلب أن يعظم بما فوق العبد ، وهو عبد لله مملوك يلزمه التذلل له والخضوع ، فهي صفة ذمّ للعبد . وكذلك جبار ومتجبر ، وهو مدح فى صفات الله تعالى ، لان صفته تجل عن صفات المخلوقين ، وتعلو فوق كل صفة . وقوله { وكانوا قوماً عالين } أي كانوا قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم ولهذا كانت صفة ذم . والعالي القاهر القادر الذي مقدوره فوق مقدور غيره لعظمه يقال : علا فلان إذا ترفع وطغا وتجاوز ، ومنه قوله { ألا تعلوا علي } وقوله { إن فرعون علا في الأرض } وقوله { وقد أفلح اليوم من استعلى } أي من علا على صاحبه وقهره بالحجة .