Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 51-56)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ اهل الكوفة وابن عامر { وإن } بكسر الهمزة ، وخفف ابن عامر النون وسكنها . وقرأ الباقون بفتح الهمزة مشددة النون . قال قوم : هذا خطاب لعيسى ( ع ) حكاه الله تعالى ، قالوا : وذلك لما جرى ذكره كأنه قال : يا عيسى { كلوا من الطيبات } وقال : آخرون : هو خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة خاطبه بلفظ الجمع ، كما يقال للرجل الواحد : أيها القوم كفوا عنا . وقال قوم : لما ذكر بعض الانبياء ، كأنه قال : وقلنا لهم { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } والأكل تناول الطعام بالفم ، ومضغه وابتلاعه . وصورة " كلوا " صورة الأمر ، والمراد به الاباحة . وأصل " كلوا " أؤكلوا ، فحذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال . والمعنى مفهوم ، لأنه من الاكل . و { الطيبات } الحلال ، وقيل : هو المستلذ . فعلى الوجه الأول يكون أمراً بنفل ، لأن تقديره كلوا من الحلال على الوجه الذي يستحق به الحمد . وعلى الثاني يكون على الاباحة ، كما قال تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } وقوله { واعملوا صالحاً } أمر من الله لهم بأن يعملوا الطاعات ، واجباتها ونوافلها . والصلاح الاستقامة ، على ما تدعو اليه الحكمة . وقال قوم : انما هذا حكاية لما قيل لجميع الرسل . وهو الوجه . وقال آخرون : المعنى وقلنا لعيسى { يا أيها الرسل } على الجمع على ما ذكرناه من المثال . وقوله { وإن هذه أمتكم } موضع { إن } نصب ، لان تقديره ، ولان { هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } أي لهذه فاتقون . وقيل : موضعه الجر بالعطف على { بما تعملون عليم } . ومن كسر الهمزة استأنف الكلام . ومعنى الأمة - ها هنا - الملة سماها بذلك للاجماع عليها بأمر الله . وقال الحسن وابن جريج : معنى { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد . وقيل : جماعتكم جماعة واحدة فى الشريعة التي نصبها الله لكم . ونصب { أمة واحدة } على الحال . وقال الجبائي : معناه { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } في أنهم عبيد الله ، وخلقه وتدبيره . وقوله { فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً } فالزبر الكتب - في قول الحسن وقتادة ومجاهد وابن زيد - وهو جمع زبور ، كرسول ورسل . والمعنى تفرقوا كتباً دانوا بها ، وكفروا بما سواها ، كاليهود دانوا بالتوراة وكفروا بالانجيل ، والقرآن . وكالنصارى دانوا بالانجيل وكفروا بالقرآن . ومن قرأ { زبراً } بفتح الباء ، وهو ابن عامر فمعناها جماعات ، لانه جمع زبرة ، وزبر ، كبرمة وبرم . وقوله { كل حزب بما لديهم فرحون } أي كل طائفة بما عندها تفرح لاعتقادها بأن الحق معها . فقال الله تعالى لنبيه { فذرهم } يا محمد { في غمرتهم } أي جهلهم وضلالتهم . وقيل : في حيرتهم . وقيل : فى غفلتهم . والمعاني متقاربة { حتى حين } أي حين وقت الموت . وقيل : حين العذاب . ثم قال تعالى منكراً عليهم { أيحسبون } أي يظنون هؤلاء الكفار { أنما نمدهم به من مال وبنين } تمام الكلام أحد شيئين : احدهما - أيحسبون ان الذي نمدهم به من اجل مالهم وبنيهم ، بل إنما نفعل ذلك لما فيه من المصلحة . والثاني - أن يكون فيه حذف ، وتقديره أيحسبون أن الذي نمدهم به من المال والبنين حق لهم أو لكرامتهم عندنا ، لا ، بل نفعل ذلك لما فيه من المصلحة التي ذكرناها ، ويكون قوله { نسارع لهم في الخيرات } ابتداء كلام ، ولا يجوز أن يكون الانكار وقع لظنهم ان ذلك مسارعة لهم فى الخيرات ، لأنه تعالى قد سارع لهم في الخيرات ، بما فعل بهم من الأموال والبنين ، لما لهم فى ذلك من اللطف والمصلحة . والغرض في ذلك ان يعرفوا الله ويؤدوا حقوقه { بل لا يشعرون } أي وهم لا يشعرون بذلك ، ولا يفهمونه لتفريطهم في ذلك . والمسارعة تقديم العمل فى اوقاته التي تدعوا الحكمة الى وقوعه فيه ، وهي سرعة العمل . ومثله المبادرة . وانما بني على ( مفاعلة ) لان الفعل كأنه يسابق فعلا آخر . والخيرات المنافع التي يعظم شأنها ، ونقيضها الشرور . وهي المضار التي يشتد أمرها . والشعور العلم الذي يدق معلومه ، وفهمه على صاحبه دقة الشعر . وقيل : هو العلم من جهة المشاعر ، وهي الحواس ، ولهذا لا يوصف الله تعالى به . وقيل : نسارع لهم فى الخيرات أي نقدم لهم ثواب اعمالهم لرضانا عنهم ، ومحبتنا إياهم ، كلا ، ليس الأمر كذلك ، بل نفعله ابتلاء في التعبد لهم .