Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 81-90)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابو عمرو " سيقولون الله " فى الأخيرتين . الباقون " لله " بغير الف ، ولا خلاف في الاولى أنها بغير الف . اخبر الله تعالى حاكياً عن الكفار ممن عاصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم لم يؤمنوا بالله ولم يصدقوا رسوله في اخلاص العبادة له تعالى { بل قالوا مثل ما قال الأولون } أي مثل الذي قاله الكفار الأولون : من انكار البعث والنشور والحساب والجنة والنار ، فأقوال هؤلاء مثل أقوال أولئك . وانما دخلت عليهم الشبهة فى انكار البعث ، لأنهم لم يشاهدوا ميتاً عاش ، ولا جرت به العادة ، وشاهدوا النشأة الاولى من ميلاد من لم يكن موجوداً . ولو فكروا فى أن النشأة الأولى أعظم منه لعلموا أن من انكره فقد جهل جهلا عظيماً ، وذهب عن الصواب ذهاباً بعيداً ، لان من قدر على اختراع الاجسام لا من شيء ، قدر على إعادتها إلى الصفة التي كانت عليها ، مع وجودها . ثم حكى ما قال كل منهم ، فانهم قالوا منكرين { أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون } أي كيف نصير أحياء بعد ان صرنا تراباً ورمماً وعظاماً نخرة ؟ ! ثم قالوا { لقد وعدنا } بهذا الوعد { نحن وآباؤنا } من قبل هذا الموعد ، فلم نر لذلك صحة ، ولا لهذا الوعد صدقاً ، وليس { هذا إلا أساطير الأولين } أي ما سطره الأولون مما لا حقيقة له ، وانما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للاطراف به . والأساطير هي الأحاديث المسطرة فى الكتب ، واحدها أسطورة . فقال الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) { قل } يا محمد لهؤلاء المنكرين للبعث والنشور { لمن الأرض ومن فيها } أي من يملك الارض ويملك من فيها من العقلاء [ وقوله { إن كنتم تعلمون } موافقة لهم فى دعواهم . ثم قال فى الجواب { سيقولون لله } أي سيقولون إن السموات والارض ومن فيهما لله ، لانهم لم يكونوا يجحدون الله . وانما كذبوا الرسول . وقوله { قل أفلا تذكرون } أي افلا تتفكرون فى مالكها . وتتذكرون قدرته وانه لا يعجزه شيء عن إعادتكم بعد الموت ، مرة ثانية كما انشأكم أول مرة ] ثم قال له { قل } يا محمد لهم ايضاً { من رب السماوات السبع } أي من مالكها والمتصرف فيها ؟ ولولاه لبطل كل شيء سواه ، لأنه لا يصح إلا مقدوره او مقدور مقدوره ، فقوام كل ذلك به ، ولا تستغني عنه طرفة عين لانها ترجع الى تدبيره على ما يشاء ( عز وجل ) وكذلك هو تعالى { رب العرش العظيم } وانما وجب أن يكون رب السماوات والعرش ، من حيث كانت هذه الاشياء جميعها محدثة ، لا بدّ لها من محدث اخترعها وانشأها ، ولا بد لها من مدبر يدبرها ويمسكها ، ويصرفها على ما تتصرف عليه ، ولا بد أن يختص بصفات : من كونه قادراً عالماً لنفسه ليتأتى منه جميع ذلك ، على ما دبره . ولولا كونه على هذه الصفات ، لما صح ذلك . ثم اخبر أنهم يقولون فى الجواب عن ذلك رب السماوات ورب العرش هو { الله } ومن قرأ بلا ألف فمعناه انهم يقولون إنها { لله } فعند ذلك { قل } لهم { أفلا تتقون } الله ، ولا تخافون عقابه على جحد توحيده والاشراك فى عبادته ؟ ! ثم أمره بان يقول لهم أيضاً { من بيده ملكوت كل شيء } والملكوت عظم الملك ووزنه ( فعلوت ) وهو من صفات المبالغة نحو ( جبروت ) ومن كلامهم ( رهبوت خير من رحموت ) أي ترهب خير من ان ترحم . وقال مجاهد : ملكوت كل شيء خزائن كل شيء ، والمعنى أنه قادر على كل شيء إذا صح أن يكون مقدوراً له . وقوله { وهو يجير } معناه أنه يعيذ بالمعنع من السوء ، لما يشاء { ولا يجار عليه } أي لا يمكن منع من أراده بسوء منه . وقيل { هو يجير } من العذاب { ولا يجار عليه } منه . والاجارة الاعاذة ، والجار المجير المعيذ ، وهو الذي يمنعك ويؤمنك ومن استجار بالله اعاذه ، ومن أعاذه الله لم يصل اليه احد . فانهم { سيقولون الله } الذي له ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه . فقل لهم عند ذلك { أنى تسحرون } ومعناه كيف يخيل اليكم الحق باطلا ، والصحيح فاسداً ، مع وضوح الحق وتمييزه عن الباطل . ومن قرأ { الله } باثبات الالف ، فلانه يطابق السؤال فى قوله { من رب السماوات السبع ورب الأرض … ومن بيده ملكوت كل شيء } لان جواب ذلك على اللفظ أن يقولوا { الله } . ومن قرأ " لله " باسقاط الالف ، حمله على المعنى دون اللفظ ، كقول القائل لمملوك : من مولاك ؟ فيقول انا لفلان ، وانشد الفراء لبعض بني عامر : @ واعلم انني سأكون رمساً إذا سار النواعج لا يسير فقال السائلون لمن حفرتم فقال المخبرون لهم وزير @@ لانه بمنزلة من قال : من الميت ؟ فقالوا له : وزير ، وذكر أنها في مصاحف أهل الامصار بغير الف ، ومصحف أهل البصرة فانها بالف . فأما الاولى فلا خلاف أنها بلا ألف لمطابقة السؤال في قول { قل لمن الأرض } والجواب يقتضى أن يقولوا : لله . وإنما أخبر الله تعالى عنهم ، بأنهم يقولون في جواب السؤال : لله ، لأنهم لو أحالوا على غير الله فى انه مالك السموات والارض ، وأن غيره بيده ملكوت كل شيء وأن غيره رب السموات السبع ، ورب العرش العظيم ، لظهر كذبهم . ولعلم كل احد بطلان قولهم ، لظهور الأمر في ذلك . وقربه من دلائل العقول . وقوله { فأنى تسحرون } أي كيف تعمهون عن هذا ، وتصدون عنه ، من قولهم : سحرت أعيننا عن ذلك ، فلم نبصره . وقيل معنى ذلك : فأنى تخدعون ، كقول امريء القيس : @ ونسحر بالطعام وبالشراب @@ أي نخدع ، وقيل معناه أنى تصرفون ، يقال : ما سحرك عن هذا الامر أي ما صرفك عنه . ثم أخبر تعالى أنه أتى هؤلاء الكفار بالحق الواضح : من توحيد الله وصفاته وخلع الانداد دونه وأنه يبعث الخلق بعد موتهم ، ويجازيهم على طاعاتهم بالثواب ، وعلى معاصيهم بالعقاب ، وان الكفار كاذبون فيما يخبرون بخلافه . قال المبرد : معنى { أنى } كيف ، ومن أين .