Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-15)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مخاطباً لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) { إن الذين جاؤا بالإفك } يعني الذين أتوا بالافك ، وهو الكذب الذي قلب فيه الأمر عن وجهه ، واصله الانقلاب ، ومنه ( المؤتفكات ) وأفك يأفك افكاً إذا كذب . لانه قلب المعنى عن حقه الى باطله ، فهو آفك ، مثل كاذب ، وقوله { عصبة منكم } يعني جماعة منكم ، ومنه قوله { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة } ويقال : تعصب القوم إذا اجتمعوا على هيئة ، فشد بعضهم بعضاً . والعصبة فى النسب العشيرة المقتدرة ، لانه يجمعها التعصب . وقال ابن عباس : منهم ( عبد الله بن أبي بن سلول ) وهو الذي تولى كبره ، وهو من رؤساء المنافقين . و ( مسطح بن اثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ) وهو قول عائشة ، وكان سبب الافك ان عائشة ضاع عقدها في غزوة بني المصطلق ، وكانت تباعدت لقضاء الحاجة ، فرجعت تطلبه ، وحمل هودجها على بعيرها ظناً منهم بها أنها فيه ، فلما صارت الى الموضع وجدتهم قد رحلوا عنه ، وكان صفوان ابن معطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فمر بها ، فلما عرفها أناخ بعيره حتى ركبته ، وهو يسوقه حتى أتى الجيش بعد ما نزلوا فى قائم الظهيرة . هكذا رواه الزهري عن عائشة . وقوله { لا تحسبوه شرّاً لكم بل هو خير لكم } خطاب لمن قرب بالافك من عائشة ، ومن اغتم لها ، فقال الله تعالى لا تحسبوا غم الافك شراً لكم بل هو خير لكم ، لان الله ( عز وجل ) يبرئ ساحته ببراءتها ، وينفعها بصبرها واحتسابها ، وما ينل منها من الاذى والمكروه الذي نزل بها ، ويلزم أصحاب الافك ما استحقوه بالاثم الذى ارتكبوه فى أمرها . ثم اخبر تعالى فقال { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } أي له جزاء ما اكتسب من الاثم من العقاب . ثم قال { والذي تولى كبره منهم } يعني ( ان ابي بن سلول ) تحمل ومعظمه و ( كبره ) مصدر من معنى الكبير من الامور . قال ابو عبيدة : فرقوا بينه وبين مصدر الكبر فى السنّ ، يقال : فلان ذو كبر أي ذو كبرياء . وقرأ ابو جعفر المدني بضم الكاف . الباقون بكسرها ، فالكبر بضم الكاف من كبر السن ، وهو كبير قومه أي معظمهم ، والكبر والعظم واحد . وقيل : دخل حسان على عائشة فانشدها قوله فى بيته : @ حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم القوافل @@ فقالت له : لكنك لست كذلك . وقوله { له عذاب عظيم } يعني جزاء على ما اكتسبه من الاثم . وقوله { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً } معناه هلا حين سمعتم هذا الافك من القائلين ظن المؤمنون بالمؤمنين الذين هم كانفسهم خيراً ، لان المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الامور ، فاذا جرى على أحدهم محنة ، فكأنه جرى على جماعتهم ، وهو كقوله { فسلموا على أنفسكم } وهو قول مجاهد ، قال الشاعر في ( لولا ) بمعنى ( هلا ) : @ تعدون عقر النيب أفضل مجدلكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا @@ اي فهلا تعدون قتل الكمي . وقوله تعالى { وقالوا هذا إفك مبين } معناه وهلا قالوا هذا القول كذب ظاهر . ثم قال تعالى { لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء } اى هلا جاؤا على ما قالوه ببينة أربعة من الشهداء { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك } الذين قالوا هذا الافك { هم الكاذبون } عند الله ، والمعنى انهم كاذبون فى عيبهم ، فمن جوز صدقهم ، فهو رادّ لخبر الله تعالى ، فالآية دالة على كذب من قذف عائشة ، وافك عليها . فأما في غيرها إذا رماها الانسان ، فانا لا نقطع على كذبه عند الله ، وإن اقمنا عليه الحد ، وقلنا هو كاذب فى الظاهر ، لانه يجوز أن يكون صادقاً عند الله ، وهو قول الجبائي . ثم قال تعالى على وجه الامتنان على المؤمنين { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم } جزاء على خوضكم في قصة الافك وافاضتكم فيه . وقيل فى الآية تقديم وتأخير ، وتقديره : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم في ما افضتم فيه عذاب عظيم في الدنيا والاخرة . وقوله { إذ تلقونه بألسنتكم } تقديره : لمسكم عذاب عظيم حين تلقونه بالسنتكم ، ومعناه برواية بعضكم عن بعض لتشييعه - فى قول مجاهد - وروي عن عائشة أنها قرأت { تلقونه } من ولق الكذب ، وهو الاستمرار على الكذب ، ومنه : ولق فلان في السير إذا استمر به ، ويقال . فى الولق من الكذب : الالق والألق ، تقول : ألقت وانتم تألقونه . أنشد الفراء : @ من لي بالمرر واليلامق صاحب أدهان وألق آلق @@ فتح الالف من ادهان ، وقال الراجز : @ إن الحصين زلق وزملق جاءت به عيس من الشام تلق @@ وينشد ايضاً : @ ان الحصين زلق وزملق جاءت به عنس من الشام تلق مجوع البطن كلاليم الحلق @@ وقوله { تقولون بأفواكم ما ليس لكم به علم } من وجه الافك { وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم } اي تظنونه حقيراً وهو عند الله عظيم لأنه كذب وافتراء .