Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 21-25)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو جعفر المدني " ولا يتأل " على وزن ( يتفعل ) الهمزة مفتوحة بعد التاء ، واللام مشددة مفتوحة . الباقون " يأتل " على وزن ( يفتعل ) . الهمزة ساكنة . وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً " يوم يشهد " بالياء ، لان تأنيث الألسنة ليس بحقيقي ، ولانه حصل فصل بين الفعل والفاعل . الباقون بالتاء ، لان الألسنة مؤنثة . هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين المعترفين بتوحيد الله المصدقين لرسله ، ينهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان ، وخطوات الشيطان تخطية الحلال الى الحرام . والمعنى لا تسلكوا مسالك الشيطان ، ولا تذهبوا مذهبه ، والاتباع الذهاب فيما كان من الجهات التي يدعو الداعي اليها بذهابه فيها ، فمن وافق الشيطان فيما يدعو اليه من الضلال ، فقد اتبعه . والاتباع اقتفاء أثر الداعي الى الجهة بذهابه فيها ، وهو بالتثقيل والتخفيف بمعنى الاقتداء به . والمعنى لا تتبعوا الشيطان بموافقته فيما يدعو اليه . ثم قال { ومن يتبع خطوات الشيطان } فيما يدعوه اليه { فإنه } يعني الشيطان { يأمر بالفحشاء } يعني القبائح { والمنكر } من الأفعال . والفحشاء كل قبيح عظيم . والمنكر الفساد الذي ينكره العقل ويزجر عنه . ثم قال تعالى { ولو لا فضل الله عليكم ورحمته } بان يلطف لكم ، ويزجركم عن ارتكاب المعاصي { ما زكى منكم من أحد أبداً } فـ ( من ) زائدة ، والمعنى ما فعل احد منكم الافعال الجميلة إلا بلطف من جهته أو وعيد من قبله . وقال ابن زيد : معناه لولا فضل الله ما أسلم احد منكم . وفى ذلك دلالة على أن احداً لا يصلح في دينه إلا بلطف الله ( عز وجل ) له ، لأن ذلك عام لجميع المكلفين الذين يزكون بهذا الفضل من الله . وقوله { ولكن الله يزكي من يشاء } معناه من يعلم أن له لطفاً يفعله به ليزكو عنده . وقيل : يزكي من يشاء بالثناء عليه . والأول أجود { والله سميع عليم } معناه إنه يفعل المصالح والالطاف على ما يعلمه من المصلحة للمكلفين . لانه يسمع أصواتهم ويعلم أحوالهم . وفي الآية دلالة على أنه تعالى يريد لخلقه خلاف ما يريده الشيطان ، لأنه ذكره عقيب قوله { يأمر بالفحشاء والمنكر } . وقوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } فالايتلاء القسم ، يقال آلى يؤلي إيلاء إذا حلف على أمر من الأمور ، ويأتل ( يفتعل ) من الالية على وزن ( يقتضي ) من القضية ، ومن قرأ { يتألّ } فعلى وزن ( يتفعل ) ، والمعنى لا يحلف أن لا يؤتي . وقال ابن عباس وعائشة وابن زيد : إن الآية نزلت فى أبي بكر ، ومسطح بن أثاثة ، وكان يجري عليه ، ويقوم بنفقته ، فقطعها وحلف ان لا ينفعه أبداً ، لما كان منه من الدخول مع أصحاب الافك فى عائشة ، فلما نزلت هذه الآية عاد أبو بكر له الى ما كان ، وقال : والله اني لأحب ان يغفر الله لي ، والله لا أنزعها عنه ابداً . وكان مسطح ابن خالة أبي بكر ، وكان مسكيناً ومهاجراً من مكة الى المدينة ، ومن جملة البدريين . وقال الحسن ومجاهد : الآية نزلت فى يتيم كان في حجر أبي بكر ، حلف الا ينفق عليه . وروي عن ابن عباس وغيره : أن الآية نزلت في جماعة من اصحاب - رسول الله حلفوا أن لا يواسوا أصحاب الأفك . وقال قوم : هذا نهي عام لجميع أولي الفضل والسعة أن يحلفوا ألا يؤتوا أولي القربى والمساكين والفقراء ، وهو أولى واعم فائدة ، ويدخل فيه ما قالوه . وكان مسطح احد من حده النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قذف الافك . وقال ابو علي الجبائي : قصة مسطح دالة على انه قد يجوز أن تقع المعاصي ممن شهد بدراً بخلاف قول النوابت . وقوله تعالى { وليعفوا وليصفحوا } أمر من الله تعالى للمرادين بالآية بالعفو عمن أساء اليهم ، والصفح عنهم . واصل العافي التارك للعقوبة على من اذنب اليه ، والصفح عن الشيء ان يجعله بمنزلة ما مر صفحاً . ثم قال لهم { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم عمن اساء اليكم { والله غفور رحيم } اي ساتر عليكم منعم . ثم اخبر تعالى { إن الذين يرمون المحصنات } ومعناه الذين يقذفون العفائف من النساء { الغافلات } عن الفواحش { لعنوا في الدنيا والآخرة } اي أبعدوا من رحمة الله { في الدنيا } باقامة الحد عليهم ورد شهادتهم { وفي الآخرة } بأليم العقاب ، والابعاد من الجنة { ولهم } مع ذلك { عذاب عظيم } عقوبة لهم على قذفهم المحصنات . وهذا وعيد عام لجميع المكلفين ، في قول ابن عباس وابن زيد واكثر اهل العلم . وقال قوم : فى عائشة ، لما رأوها نزلت فيها هذه الآية توهموا ان الوعيد خاص فيمن قذفها ، وهذا ليس بصحيح ، لأن عند اكثر العلماء المحصلين : ان الآية إذا نزلت على سبب لم يجب قصرها عليه ، كآية اللعان ، وآية القذف ، وآية الظهار ، وغير ذلك . ومتى حملت على العموم دخل من قذف عائشة في جملتها . وقوله { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } تقديره : ولهم عذاب عظيم فى هذا اليوم . وهو يوم القيامة . وشهادة الايدي والأرجل باعمال الفجار . قيل فى كيفيتها ثلاثة اقوال : احدها - ان الله تعالى يبنيها بنية يمكنهم النطق بها والكلام من جهتها . الثاني - ان يفعل الله تعالى في هذه البنية كلاماً يتضمن الشهادة ، فكأنها هي الناطقة . والثالث - ان يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة ، وذلك اذا جحدوا معاصيهم . واما شهادة الالسن فيجوز ان يكونوا يشهدون بألسنتم إذا رأوا ان لا ينفعهم الجحد . واما قوله تعالى { اليوم نختم على أفواههم } فقالوا : إنه يجوز ان يخرج الألسنة ويختم على الأفواه ، ويجوز ان يكون الختم على الأفواه إنما هو فى حال شهادة الأيدي والارجل . وقال الجبائي : ويجوز ان يبنيها بنية مخصوصة ، ويحدث فيها شهادة تشهد بها . وقوله { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } يعني جزاءهم الحق ، والدين - ها هنا - الجزاء ، ويجوز ان يكون المراد جزاء دينهم الحق ، وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } اي يعلمون الله ضرورة فى ذلك اليوم ، ويقرون انه الحق ، الذين ابان الحجج والآيات فى دار التكليف ، وهو قول مجاهد ، وقرئ { الحق } بالرفع ، والنصب ، فمن رفعه جعله من صفة الله ، ومن نصبه جعله صفة للدين .