Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 2-3)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن كثير الا ابن فليح { رآفة } بفتح الهمزة على وزن ( فعالة ) . الباقون بسكونها ، وهما لغتان في المصدر ، يقال : رأف رأفة مثل كرم كرماً . وقيل : رآفة مثل سقم سقامة . والرأفة رقة الرحمة . أمر الله تعالى فى هذه الآية : أن يجلد الزاني ، والزانية اذا لم يكونا محصنين { كل واحد منهما مئة جلدة } واذا كانا محصنين أو أحدهما ، كان على المحصن الرجم بلا خلاف . وعندنا انه يجلد اولا مئة جلدة ثم يرجم ، وفي اصحابنا من خص ذلك بالشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين ، فأما اذا كانا شابين محصنين لم يكن عليهما غير الرجم ، وهو قول مسروق . وفي ذلك خلاف ذكرناه فى خلاف الفقهاء . والاحصان الذي يوجب الرجم هو أن يكون له زوج يغدو اليه ويروح على وجه الدوام ، وكان حرّاً . فأما العبد ، فلا يكون محصناً ، وكذلك الأمة لا تكون محصنة ، وانما عليهما نصف الحد : خمسون جلدة ، والحر متى كان عنده زوجة يتمكن من وطئها مخلى بينه وبينها سواء كانت حرة او أمة ، او كان عنده أمة يطؤها بملك اليمين ، فانه متى زنا وجب عليه الرجم ، ومن كان غائباً عن زوجته شهراً فصاعداً أو كان محبوساً او هي محبوسة هذه المدة ، فلا أحصان . ومن كان محصناً على ما قدمناه ثم ماتت زوجته أو طلقها بطل احصانه . وفى جميع ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه فى الخلاف . والخطاب بهذه الآية وان كان متوجهاً الى الجماعة ، فالمراد به الأئمة بلا خلاف ، لانه لا خلاف أنه ليس لاحد اقامة الحدود إلا للامام أو من يوليه الامام . ومن خالف فيه لا يعتد بخلافه . والزنا هو وطؤ المرأة في الفرج من غير عقد شرعي ولا شبهة عقد شرعي مع العلم بذلك أو غلبة الظن . وليس كل وطئ حرام زناً ، لانه قد يطؤ امرأته فى الحيض والنفاس ، وهو حرام ، ولا يكون زناً ، وكذلك لو وجد امرأة على فراشه ، فظنها زوجته او أمته فوطأها لم يكن ذلك زناً ، لانه شبهة . وقوله { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال مجاهد وعطاء ابن أبي رياح وسعيد بن جبير وابراهيم : معناه لا تمنعنكم الرأفة والرحمة من اقامة الحد . وقال الحسن وسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وحماد : لا يمنعكم ذلك من الجلد الشديد . ( والرأفة ) بسكون الهمزة . والرآفة - بفتح الهمزة - مثل الكأبة والكآبة ، والسأمة والسآمة ، وهما لغتان ، وبفتح الهمزة قرأ ابن كثير على ما قدمناه . وقوله { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي إن كنتم تصدقون بما وعد الله وتوعد عليه ، وتقرون بالبعث والنشور ، فلا تأخذكم فى من ذكرناه الرأفة ، ولا تمنعكم من اقامة الحد على من ذكرناه ، وقوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } قال مجاهد وابراهيم : الطائفة رجل واحد . وعن ابي جعفر ( ع ) ان اقله رجل واحد . وقال عكرمة : الطائفة رجلان فصاعداً . وقال قتادة والزهري : هم ثلاثة فصاعداً . وقال ابن زيد : اقله اربعة . وقال الجبائي : من زعم ان الطائفة اقل من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة ، ومن جهة المراد بالآية ، من احتياطه بالشهادة . وقال : ليس لأحد ان يقيم الحد إلا الأئمة وولاتهم ، ومن خالف فيه فقد غلط ، كما انه ليس للشاهد ان يقيم الحد . وقد دخل المحصن فى حكم الآية بلا خلاف . وكان سيبويه يذهب الى ان التأويل : في ما فرض عليكم ، الزانية والزاني ، ولولا ذلك لنصب بالأمر . وقال المبرد : إذا رفعته ففيه معنى الجزاء ، ولذلك دخل الفاء فى الخبر ، والتقدير التي تزني ، والذي يزني ، ومعناه من زنى فاجلدوه ، فيكون على ذلك عاماً في الجنس . وقال الحسن : رجم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الثيب وأراد عمر ان يكتبه فى آخر المصحف ثم تركه ، لئلا يتوهم انه من القرآن . وقال قوم : إن ذلك منسوخ التلاوة دون الحكم . وروي عن علي ( ع ) ان المحصن يجلد مئة بالقرآن ، ثم يرجم بالسنة . وانه امر بذلك . وقوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك … } الآية . قيل : انها نزلت على سبب ، وذلك انه استأذن رجل من المسلمين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان يتزوج امرأة من اصحاب الرايات ، كانت تسافح ، فأنزل الله تعالى الآية . وروي ذلك عن عبد الله بن عمر ، وابن عباس : وقال حرم الله نكاحهن على المؤمنين ، فلا يتزوج بهن الا زان او مشرك . وقال مجاهد والزهري والشعبي : ان التي استؤذن فيها ام مهزول . وقيل النكاح - ها هنا - المراد به الجماع ، والمعنى الاشتراك في الزنا ، يعني انهما جميعاً يكونان زانيين ، ذكر ذلك ابن عباس . وقد ضعف الطبري ذلك ، قال : لا فائدة في ذلك . ومن قال بالأول ، قال : الآية وان كان ظاهرها الخبر ، فالمراد به النهي . وقال سعيد بن جبير : معناه انها زانية مثله . وهو قول الضحاك وابن زيد . وقال سعيد بن المسيب : كان ذلك حكم كل زان وزانية ، ثم نسخ بقوله { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين } وبه قال اكثر الفقهاء . وقال الرماني : وجه التأويل انهما مشتركان فى الزنا ، لأنه لا خلاف انه ليس لاحد من اهل الصلاة ان ينكح زانية وان الزانية من المسلمات حرام على كل مسلم من اهل الصلاة ، فعلى هذا له ان يتزوج بمن كان زنى بها . وعن ابي جعفر ( ع ) ( ان الآية نزلت في اصحاب الرايات ، فأما غيرهن فانه يجوز ان يتزوجها ، وان كان الأفضل غيرها ، ويمنعها من الفجور ) . وفى ذلك خلاف بين الفقهاء .