Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 58-60)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ اهل الكوفة إلا حفصاً { ثلاث عورات } بفتح الثاء . الباقون بالرفع . قال ابو علي النحوي : من رفع ، فعلى أنه خبر ابتداء محذوف ، وتقديره هذه ثلاث عورات ، لانه لما قال { الذين ملكت أيمانكم ، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } وفصل الثلاث بقوله { من قبل صلاة الفجر ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، ومن بعد صلاة العشاء } صار كأنه قال : هذه ثلاث عورات ، فاجمل بعد التفصيل . ومن نصب جعله بدلا من قوله { ثلاث مرات } وانما أبدل { ثلاث عورات } وليس بزمان من { ثلاث مرات } وهي زمان ، لانه مشتمل على زمان من حيث ان التقدير : أوقات ثلاث عورات ، فلما حذف المضاف أقام المضاف اليه مقامه . و { العورات } جمع عورة ، وحكم ما كان على وزن ( فعلة ) من الأسماء أن تحرك العين منه ، نحو صفحة وصفحات ، وجفنة وجفنات إلا ان عامة العرب يكرهون تحريك العين فيما كان عينه واواً أو ياء ، لانه كان يلزمه الانقلاب الى الألف ، فاسكنوا لذلك ، فقالوا عورات وجوزات وبيضات . وقرأ الاعمش - بفتح الواو - من { عورات } ووجهه ما حكاه المبرد أن هذيلا يقولون في جمع جوزة وعورة ولوزة : جوزات ، وعورات ، ولوزات ، فيحركون العين فيها ، وأنشد بعضهم : @ ابو بيضات رائح متأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح @@ فحرك الياء من بيضات ، والأجود عند النحويين ما ذكرناه . هذه الآية متوجهة الى المؤمنين بالله المقرين برسوله ، يقول الله لهم : مروا عبيدكم واماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول الى مواضع خلواتكم . وقال ابن عباس وابو عبد الرحمن : الآية في النساء والرجال من العبيد . وقال ابن عمر : هي فى الرجال خاصة . وقال الجبائي : الاستئذان واجب على كل بالغ في كل حال ، ويجب على الاطفال فى هذه الاوقات الثلاثة بظاهر هذه الآية . وقال قوم : فى ذلك دلالة على انه يجوز أن يؤمر الصبي الذي يعقل ، لأنه أمره بالاستئذان . وقال آخرون : ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد بذلك ، فظاهر الآية يدل على وجوب الاستئذان ثلاث مرات فى ثلاث أوقات من ساعات الليل والنهار . ثم فسر الاوقات فقال { من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلوة العشاء } الاخرة لأن الغالب على الناس أن يتعروا فى خلواتهم في هذه الاوقات ذكره مجاهد . ثم بين أنه ليس عليكم ولا عليهم جناح فيما بعد ذلك من الاوقات أن يدخلوا عليكم من غير اذن ، يعني فى الذين لم يبلغوا الحلم ، وهو المراد بقوله { طوافون عليكم بعضكم على بعض } ثم قال : مثل ما بين لكم هذه العورات بين الله لكم الدلالات على الاحكام { والله عليم } بما يصلحكم { حكيم } فيما ذكره وغيره من أفعاله . ثم قال { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } يعني يرتفع من دخوله بغير اذن إذا بلغ ، وصار حكمه حكم الرجال فى وجوب الاستئذان على كل حال . ثم قال مثل ما بين لكم هذا بين لكم ادلته { والله عليم حكيم } . ثم قال { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً } يعني المسنات من النساء اللاتي قعدن عن التزويج ، لانه لا يرغب فى تزويجهن . وقيل : هن اللاتي ارتفع حيضهن ، وقعدن على ذلك ، اللاتي لا يطمعن في النكاح أي لا يطمعع فى جماعهن لكبرهن { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن } قيل هو القناع الذي فوق الخمار وهو الجلباب ، والرداء الذي يكون فوق الشعار . وفى قراءة أهل البيت ( ع ) { أن يضعن من ثيابهن } وبه قرأ ابي . وقوله { غير متبرّجات بزينة } أي لا تقصد بوضع الجلباب اظهار محاسنها ، وما ينبغي لها أن تستره . والتبرج إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره . ثم اخبر تعالى أن الاستعفاف عن طرح الجلباب خير لهن في دينهن { والله سميع } لاقوالكم { عليم } بما تضمرونه { حليم } عليكم لا يعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم . وانما ذكر القواعد من النساء ، لان الشابة يلزمها من التستر اكثر مما يلزم العجوز ، ومع ذلك فلا يجوز للعجوز أن تبدي عورة لغير محرم ، كالساق والشعر والذراع .